تأبين

أليخاندرو زفّاروني (1923–2014)

رائد مجال التقنية الحيوية، الذي أحدث ثورة في أنظمة توصيل الدواء واختباره.

جين إي. شو
  • Published online:

قضى أليخاندرو زفَاروني أكثر من ستين عامًا من عمره مُسْهِمًا في إجراء الأبحاث التي استطاع من خلالها تطوير حبوب منع الحمل، كما أسهَم في تأسيس ما يقرب من اثني عشر مشروعًا في مجال التكنولوجيا الحيوية في «سيليكون فالي» بكاليفورنيا. وقام بالتسويق لطرق مبتكرة لإدخال الدواء داخل الجسم، كاللاصقات الجلدية، والأجهزة المزروعة، والكبسولات منتظمة الإتاحة، التي تتميز بقلة الأعراض الجانبية مع زيادة الفاعلية، كما تَضْمَن الحصول على الجرعة الصحيحة من الدواء، دون اللجوء إلى جداول معقدة.

Roger Ressmeyer/Corbis


توفَّى زافروني في الأول من مارس الماضي عن عمر يناهز الواحد والتسعين عامًا، وكان قد وُلِدَ في مونتِفيديو في أوروجواي، حيث درس وحصل على شهادة البكالوريوس. وفي الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية استقل سفينة شحن عسكرية متجهة إلى نيويورك، حيث حصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء الحيوية بجامعة روتشستر، ثم حصل على زمالة من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية لإجراء أبحاث ما بعد الدكتوراة. عدّل زافروني من تقنية التشرب الورقي Paper chromatography، لِيُنَقِّي مركبات الستيرويد، وهي مجموعة من المركبات الكيميائية، تشمل الكوليسترول، والهرمونات التناسلية. أدّت تلك الأبحاث إلى أول عملية تصنيع لهرمون الكورتيزون.

استكمل زفّاروني عمله في مجال الصناعة الحيوية لمركبات الستيرويد عبر الانضمام إلى شركة «سينتيكس» Syntex، وهي شركة مكسيكية صغيرة، تعمل في مجال استخراج سلائف الستيرويدات من نبات اليام؛ لإنتاج هرمونات علاجية. وأسهَم في إنماء شركة «سينتكس»؛ حتى صارت إحدى شركات الأدوية، وافتتح فرعًا لها في الولايات المتحدة في مدينة بالو ألتو بكاليفورنيا في عام 1962. ومن خلال دراسته للمراهم التي تحتوي على مركبات الستيرويد المستخدَمة في علاج الأمراض الجلدية، لاحظ تسرب كميات كبيرة من الستيرويدات إلى الدم عبر الجلد؛ فأسَّس شركة «ألزا» ALZA في عام 1968؛ للتحكم في ذلك الأثر، والاستفادة منه.

استمر زفَاروني في متابعة أعماله ـ التي تحتوي على قدر من المجازفة ـ وثابر من أجل عبور المصاعب غير المتوقعة. وعندما تم تطوير لاصقة لعلاج دوار الحركة بشركة «ألزا»، اعترض رئيس قسم التسويق عليها، بدعوى صعوبة تسويقها، إلا أن زفَاروني كان يعلم أنها ستكون نقطة انطلاق؛ وتوقّع أنّ الدواء سيحصل على موافقة من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية؛ مما سيفتح باب التعاون مع شركات أدوية أكبر.

ثم استمرت شركة «ألزا» في تطوير لاصقات جلدية تساعد على الإقلاع عن التدخين، وتساعد في حالات أخرى، مثل علاج الآلام، وارتفاع ضغط الدم. كما قامت بتطوير مانع حمل رَحِميّ، بالإضافة إلى تطوير فيلم مصنوع من البوليمر؛ يوصِّل دواء الجلوكوما إلى الهدف، دون إحداث تغيُّم في الرؤية؛ وكبسولات للبلع تُطْلِق الدواء على مدار ساعات عديدة. اشترت شركة «جونسون آند جونسون» العملاقة شركة «ألزا» بقيمة 12.3 مليار دولار في عام 2001.

إنّ بُعْد نظر زفَاروني ـ الذي دفعه إلى ترك شركة «سينتيكس»، وإطلاق شركة «ألزا» ـ أوجَد نموذجًا يُحتذى به لشركاته الأخرى. فهو يفصح عن تحدٍّ ما كخطوة أولى في مناقشات مع علماء صناعيين وأكاديميين، ثم يقوم بعد ذلك بتقييم التقنيات الراهنة بأسلوب منهجي، وتقدير حجم المنافسة، والعامل البشري وتأثيره المحتمل. وعندما يصبح مستعدًا لافتتاح شركة، كان يبحث عن أفضل المستشارين والمواهب العلمية الفذة التي تستطيع ترجمة الاكتشافات الأولية إلى تطبيقات.

لم يَعْتَدْ زفَاروني على الإشراف على الفِرَق العلمية عن قرب، فقد كان يدعم الناس؛ ليحققوا أشياء رائعة. فقد حرص على أن تكون المباني مصمَّمة بشكل يضمن تفاعل التخصصات المتعددة مع بعضها البعض، كما حرص أيضًا على أن تكون ألوان الأثاث والأعمال الفنية باعثة على الإبداع. وكان هناك أكثر من أربعين عاملًا بالشركة عملوا كمديرين تنفيذيين لشركات أخرى.

أرجَع زفَاروني ـ الأخ الأصغر لخمسة أبناء ـ الفضلَ إلى أمِّه ـ التي كانت تعمل كمدرسة ـ في تكوين موهبته الإبداعية، وقدرته على الدمج بين المجالات المختلفة. وأرجع الفضل في ذكائه في مجال الأعمال، وقدرته على اختيار الأشخاص الجيدين والوثوق بهم والعمل على إشعال روح الحماسة بهم، إلى والده الذي كان يعمل مصرفيًّا. فالأشخاص الذين استعان بهم كانوا يرافقونه في مهام، لم يخطر ببالهم أبدًا أنهم سيقومون بها. وفي عام 1970، أحضرتني مكالمة هاتفية من زفَاروني من مختبري، الذي كان موجودًا في ما كان يُعرف وقتها بـ»مؤسسة ووركستر للأحياء التجريبية» في شروزبري بماساتشوستس، إلى بالو ألتو. كنت وقتها لا أعلم شيئًا عن صناعة الدواء، ولم أكن واثقًا من الوظيفة التي كان يعرضها عليَّ، لكن شغفه وإخلاصه ألهماني ترك عملي في مجال الأبحاث لإحدى الشركات الدوائية. ومثل آخرين.. «إذا كان الدكتور زفَاروني هو من يقود العمل؛ فسوف أعمل تحت قيادته» وقد فعلتُ، دون أي ندم.

في عام 1980، أسَّس زفَاروني معهد DNAX لأبحاث الأحياء الجزيئية والخلوية في بالو ألتو بالتعاون مع ثلاثة علماء مشهورين (منهم اثنان حصلا على جائزة نوبل) من جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، وذلك لتطبيق الأحياء الجزيئية والخلوية في الطب. ساعدت تلك الأبحاث العظيمة في مجال علم المناعة على اكتشاف العديد من البروتينات التي تستخدمها خلايا الدم البيضاء في إرسال الإشارات. وقامت شركة «شيرينج بلاو» Schering-Plough الدوائية بشراء معهد DNAX في عام 1982 بقيمة 29 مليون دولار، حيث قيل وقتها إنه تم دفع مليون دولار مقابل كل موظف يحمل درجة الدكتوراة.

مع بلوغه منتصف الستينات من العمر، حوّل زفَاروني اهتمامه إلى زيادة كفاءة عملية اكتشاف الدواء، وأسَّس شركة «أفيماكس» Affymax في عام 1988. استعارت تلك المؤسسةُ التقنيةَ المستخدمة في صناعة رقائق الحاسب الآلي؛ لإنتاج رقائق حيوية دقيقة تقوم بتصنيع عديد من الأدوية المحتملة، واختبارها سريعًا على البروتينات التي تستهدفها تلك الأدوية. كان هذا ـ على الأرجح ـ أول بحث صناعي حيوي كيميائي، وأصبحت هذه التقنية ـ الكيمياء التوافقية ـ في الوقت الحالي أحد مكونات برامج اكتشاف الدواء الكبيرة.

دفعَت التقنية المستخدمة في تصنيع الرقائق بشركة «أفيماكس» زفَاروني إلى إنشاء شركة جديدة، «أفيمِتريكس» Affymetrix، وذلك في عام 1991. وكانت أول شركة تقوم بتطوير رقائق الحمض النووي الدقيقة التي تتيح إجراء تحليل سريع للطفرات والنشاط الجيني؛ مما أتاح ظهور دراسات جماعية موسعّة في مجال الجينوم، وهي تُستخدم حاليًا على نطاق واسع لاكتشاف الاختلافات الجينية. ونَتَجَ عن الاكتشافات اللاحقة سلسلة من الشركات، شملت شركة «فيرديا» Verdia، و«أفيديا» Avidia، و«كوديكسيس» Codexis، و«سايميكس» Symyx. عملت شركة «مايكسجين» Mayxgen ـ على سبيل المثال ـ على تعديل الحمض النووي؛ لتحسين الأدوية البروتينية بشكل متكرر.

كانت شركة «أليجزا» Alexza هي آخر شركة أسسها زفَاروني، وذلك في عام 2000. وقد استوحى فكرة عملها مما اعتبره من أكثر أنظمة توصيل الدواء كفاءة: السيجارة. فمع ملاحظة الأثر السريع للنيكوتين المُستَنشَق، سعى زفَاروني إلى تطبيق ذلك على أدوية أخرى. وتمت الموافقة على أول منتَج لشركة «أليجزا» يُستخدم عن طريق الاستنشاق لعلاج الهياج الحاد لدى البالغين المصابين بالفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب، في العام الماضي.

وكما تشكلت على يده الصناعة، نمت شركات زفَاروني، لكنه ظل رائدًا شهيرًا، لم ينل ما يستحقه من تقدير، بالإضافة إلى تأثيره في مجال التكنولوجيا الحيوية الذي لا حصر له.