مستقبليات

فرصة ثانية

مستقبَلٌ آمِن.

كِنْ لِيُو
  • Published online:

JACEY

أحضرَتْ ليّ النادلة كأسًا من عصير الجزر. لاحظَت أنني أرتدي قفازات، رُغم أننا في منتصف الصيف، لكنها هزَّت كتفيها وغادرت. إنها أصغر مِن أنْ تعرفني، أو لعلّها ما زالت محرَجة من الطريقة التي استُبعِدْتُ بها من اللُّعبة.

أخذت أرشف عصيري بالماصّة. وعلى التلفاز الضخم المعلَّق أعلى البار، كانوا يعرضون مباراة فريق ريد سوكس، وفريق يانيكز.

لاعب جديد يطأ أرض الملعب، ويقف في مربع الرامي.

يقول مساعد المعلِّق الرياضي: «انظر إلى هذه الوقفة. إنه يقف وكأنه يشاهد فيلمًا تاريخيًّا. وقفته يرتعد لها المشاهِد».

يستقر هرمان روث، ويملأ قوامه البالغ ستة أقدام وبوصتين، ووزنه البالغ 180 رطلًا، شاشة التلفاز عالي الدقة. إنه في أحسن حالاته البدنيّة. أنا على يقين من أنّ مدربي فريق ريد سوكس يراقبون حميته الغذائية كالصقور.

يسأل المعلِّق الذي يعلِّق على كل شاردة وواردة: «ما رأيك في حُكم المحكمة؟».

«أعتقد أنه حُكم صائب. لا أتصوَّر كيف يمكن أن يوقفوه عن اللعب. ليس خطأه أنه مستنسَخ من بيب روث، كما تعرف. الفتى يعشق اللعبة، ولعلّه سيحقق رقمًا قياسيًّا يتفوق به على اللاعب الأصلي».

«وهل الغرامة البسيطة مُنْصِفَة في رأيك؟».

«نعم، أعتقد أنها كذلك. انظر، فريق ريد سوكس لم يُرْغِم الفتى على اللعب. لقد استنسخوه، وعثروا على عائلة مُحِبَّة تتبنّاه. لم يصرحوا له بهويته، وتركوه وحده لمدة 18 سنة. وبعدها، ظهروا في حياته، وعرضوا عليه الانضمام إليهم ليمارس اللعبة التي يعشقها. كنتُ آمل فحسب ألّا يعبثوا بقبر بيب روث».

«وماذا عن اعتراضات عائلته؟».

«كما قالت المحكمة.. عائلتك لا تملكك. يجب أن نعترف بالفضل لفريق ريد سوكس، ونشهد لهم ببراعتهم إذ جاءوا بتلك الحيلة لتعويض خسارتهم من هذه الصفقة منذ قرن من الزمان. الموقف يمثِّل فرصةً ثانية لفريق ريد سوكس، ولِبيب روث!».

روث يلوِّح بمضربه؛ فيصدر المضرب صوت ارتطام الكرة المطاطيّة بالخشب. يقف، دون أنْ يحرك ساكنًا لكَسْرٍ من الثانية، وعيناه على الكرة وهي تخترق مسارها الحتمي؛ لتقع خارج الملعب، بعدها يشرق وجهه بتلك الابتسامة الساحرة الشهيرة، ويشرع في الهرولة بين القواعد.

أنهضُ من مكاني، وأضع الماصّة في جيبي. وأُخْرِج بعض المال بِيَدَيّ المُغَطّاتَين بالقفازات، وأتركه على الطاولة.

لقد رُشِّحت لجائزة اللاعب الأغلى ثمنًا في الدوري الأمريكي ثلاث مرات. وكنت نجم النجوم عشرات المرات. كنت سأحتفظ بلقب صاحب أكبر عدد من الأهداف. وكان من الممكن أن أكون لاعبًا عظيمًا، لا.. بل وأعظم لاعب في التاريخ.

لن أترك أيًّا من خلايا جسمي بعد مماتي.

يقول وكيلي سكوت: «اسمح لي أن أقدِّم لك د. دانْزَر. إنها طبيبة بارعة، مثل براعتي كوكيل أعمال».

لم أرَ سكوت لسنوات طويلة. والواقع أنه كان يتجاهل مكالماتي منذ الفضيحة التي مُنِيت بها.

صافحتُ المرأة قائلًا: «تشرفتُ بمعرفتِك».

قالت: «كنتُ من أَشَدّ المعجبين بكَ». لاحظتُ استخدامها لصيغة الماضي.

قال سكوت بنبرة توحي بأننا ما زلنا صديقين: «من بين كل عملائي، أنت أول من ناقش مسألة الملكية الفكرية. إنها فكرة رائعة. وفور أن تحظى بالحماية اللازمة؛ سنبيع حقوق الاستنساخ إلى أعلى المُزَايِدِين سعرًا».

أعربتُ عن استيائي بطريقة توحي برفضي الالتزام برأيه. إنه يشعر بالحماس، لأنني اكتشفت في نهاية المطاف طريقةً أخرى تدِرُّ عليه ربحًا. إنها فرصة ثانية.

«لا يمكننا الحصول على براءة اختراع للجينوم الخاص بك، بعد أن قضت المحكمة العليا بأنّ الجينات الطبيعية لا يجوز إصدار براءة اختراع بشأنها. ولا يمكننا الحصول على حقوق نشر بشأنها أيضًا، لأن حقوق النشر تتطلب درجة من «الأصالة» لا تَسْرِي على حالتنا. ولذلك.. استعنت بالدكتورة دانْزَر؛ لتساعدنا».

قالت وهي ترمقني مباشرة بترقُّب: «الـمَثْـيَلَة الموجهة» Directed Methylation.

انتظَرنا أنا وسكوت تفسيرًا منها، لكنْ كان واضحًا أنها أنهت كلامها.

قال سكوت: «يا دكتورة، يجب أن تُسْهِبِـي في التفسير.. فنحن لسنا علماء».

تنهدت وقالت: «الأمر بسيط جدًّا... فبينما يتطوَّر الإنسان من البيضة المخصبة، يحصل الحمض النووي على أجزاء صغيرة من الهيدروكربونات، في عملية تُسمَّى بالـمَـثْيـَلة، هي جزء من تنظيم التعبير الجيني. وهي طريقة من الطرق الأساسية التي تختلف بها الخلايا الموجودة في أنسجتك عن الخلايا الجذعية».

سألتها، التماسًا لمزيد من التفسير: «وكيف يساعدنا ذلك على توفير «الأصالة» لجيناتي؟».

«ابتكرتُ تقنيةً ستضيف مجموعات الميثيل إلى الحمض النووي الخاص بك بطريقة محددة استهدافية. وسأركز على قطاعات غير مشفرة من حمضك النووي؛ للحدّ من احتمالات الآثار الجانبية. ولنُرضِي مكتب حقوق النشر حقًّا، يمكننا استخدام الشفرة الثنائية لوضع رسالةٍ ما داخل جيناتك، استنادًا إلى مواقع مجموعات الميثيل».

«سأكتب لك قصيدة».

«سيفي ذلك بالغرض. وحينئذ، يمكننا الحصول على حقوق نشر للجينوم المضافَة إليه مجموعات الميثيل بأكملها. وبما أن إزالة الـمَـثْيـَلة من الخلايا البدنية خلال عملية الاستنساخ ليست مكتملة، فإذا حاولوا استنساخك؛ فستظل بعض الأجزاء المضاف إليها الميثيل الصناعي موجودة في الـمُستَنسَخ».

أردفت قائلًا: «وبذلك.. سيكون هذا انتهاكًا لحقوق نشري. وماذا لو كان المستنسِخون على استعداد لسداد التعويضات؟».

ضرب سكوت ظهري بكفه، قائلًا: «هنا تكمن العبقرية... فبتسجيل حقوق النشر، يمكننا الحصول على تعويضات قانونية. كم عدد خلايا الجسم البشري يا دكتورة؟».

«حوالي مئة تريليون خلية».

«على الأقل، تصل التعويضات القانونية إلى 750 دولارًا أمريكيًّا للنسخة الواحدة.. أي أضعاف الدَّيْن الوطني. مَنْ يمكنه أن يتحمَّل إِذَن تكلفة استنساخك دون تصريح؟».

يمكنني أن أستشفّ أن سكوت يضع خططه بالفعل لإنفاق عمولته.

أسألها: «هل أنتِ مُتَيَقِّنة من ذلك؟».

قالت الدكتورة دانْزَر: «مُتَيَقِّنة يقيني من أيّ شيء يرتبط بعلم الوراثة اللاجيني». طلبتُ منها البقاء بعد رحيل سكوت. قالت: «يمكنني توجيه عملية المَثْيَلَة بطريقة معينة، بحيث لا تتطور الأجِنّة المستنسَخة منك على نحو سليم. وفي هذه الحالة، لن تستطيع أن تبيع حقوق نشرك قط».

قلت لها: «سيكون ذلك رائعًا. أشكرك يا دكتورة».

قالت: «كان من الممكن أن تكون لاعبًا عظيمًا».

هززتُ كتفي.

لا أريد التحكم في جيناتي طوال حياتي فحسب، بل ولمدة سبعين عامًا بعدها. أريد أن أتأكد مِن أنّ العالَم لن يشهد مجددًا نسخةً مِنِّي قط، ربما تتفوق على الأصل. فلتَصِفُوني بالغرور إنْ شئتم. ربما ارتكبتُ أخطاءً، بيد أنني أريد أن أكون النسخة الوحيدة مِنِّي في هذا الكون.

لا مجال لفرصة ثانية.