تحقيقات
العلوم المبسطة: علوم مبسَّطة لغير المتخصِّصين
إن تأليف كتب العلوم التي تخاطب الجمهور غير المتخصص أمرٌ يستحق السعي والعناء، لكنه يستغرق وقتًا طويلًا، كما أن العائد المادي لهذه الكتب غير مضمون.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/nj7478-177a
- English article
- Published online:
لم يتوقع جون لونج أبدًا أنْ يؤلف كتابًا. فأوقاته مزدحمة بأبحاثه في علم الأحياء، وكتابة الأوراق البحثية، والتدريس في كلية فاسار في بوكيبسي في نيويورك، لكن في عام 2009، وبعد أن تناقلت عدة صحف قصة خبرية لوكالة «أسوشيتد برس» حول عمله في استخدام الروبوتات لدراسة التطور، تلقَّى اتصالًا هاتفيًّا من وكيلة أدبية في مدينة نيويورك، تشجعه على تأليف كتاب علمي مبسَّط؛ لبيعه في المنافذ العامة.
كان لونج متشكِّكًا مما إذا كان مثل هذا المشروع يستحق بذل الوقت فيه، أو يفيده في مساره المهني، لكنّ الوكيلة أصرت قائلة: «أنت معلِّم، أليس كذلك؟» وأقنعته بأنّ تأليف كتاب سيسمح له بالوصول إلى «محبِّي المرح، المهووسين بالعلوم، الذين يريدون أنْ يتعلموا شيئًا ما رائعًا عن العلوم». نشرت دار «بيزيك بوكس» كتاب «أجهزة داروين» في 2012، وقد أتاح الكتاب للونج قليلًا من المال الإضافي، وأعطاه فرصة للتفاعل مع المهتمين بالعلوم من غير الباحثين. وهو الآن يدرس فكرة كتاب جديد.
IKON IMAGES/CORBIS
إن تأليف كتاب للجمهور غير المتخصص يعود بالنفع على مؤلفه، وربما يُعَدّ فرصة له ليصبح شهيرًا، لكنه كذلك يتطلب بذل الكثير من الوقت والجهد، والاستعداد لأنْ يتم فحص هذا المجهود من جانب شخصٍ يضع الاستهلاك الجماهيري نصب عينيه. تعتمد الدفعات المقدَّمة من المال على عوامل السوق التي يحددها الناشر. وليس هناك ضمانٌ بأنْ يكون الكتاب مربحًا. والمؤلف يغامِر بإنفاق الكثير من الجهد في عملٍ، قد لا يدرّ عليه مالًا، أو لا يلقى قبولًا.
إنها عملية مرهقة. تقول الوكيلة الأدبية أليس مارتل من وكالة «مارتل» في نيويورك: «عبر كل السنوات التي قضيتها في هذه الوظيفة، لم يحدث أنْ أَنهَى أحدهم كتابًا، ثم قال لي: كان هذا أسهل مما تصوَّرتُ». ولإعطاء ذلك المشروع أفضل فرصة للنجاح، يتوجب على الباحثين الراغبين في عرْض قصصهم لجمهور واسع أنْ يجدوا فكرة جذابة، وأنْ يعملوا مع فريقٍ على صياغة الكتاب.
بذور الفكرة
إن أغلب الكتب المبسَّطة التي يكتبها علماء، إمّا ترتبط مباشرة بأبحاثهم، أو تستكشف موضوعات كبيرة في تخصصهم. قد تأتي الفكرة من ملاحظة فجوة في السوق. لقد أدرك دانيال ديفيز ـ القارئ النهم ـ أن هناك العديد من كتب العلوم المبسطة حول أساسيات الفيزياء، أو علم الأحياء التطوري، لكن ديفيز عالِم المناعة في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة لم ير كتابًا يتناول الجانب الذي يُجْرِي أبحاثًا عليه. وقد أدى هذا النقص إلى التوصل إلى موضوع لكتابه لعام 2013: «جينات المواءمة»، الناشر (بِنجوِين)، وهو كتاب يستكشف تنوع مناعات البشر، والآثار المترتبة على ذلك. ولتسهيل وصول الجمهور إلى الكتاب، قام بالتركيز على فكرة أن أكبر الاختلافات الجينية بين البشر ليست في الجينات التي تقوم بصياغة لون الشعر، أو الأعين، أو الجلد، ولكنها في الجينات الخاصة بجهاز المناعة في أجسادنا.
على العلماء الذين يفكرون في تأليف كتب أن يستشيروا وكيلًا أدبيًّا في وقت مبكر من عملية الكتابة، لتجنُّب بذل الكثير من الوقت في فكرة لن تنفع. ولأنهم يعرفون هذه المهنة، وما يبحث عنه المحررون في دور النشر، فإن الوكلاء بإمكانهم إعادة صياغة الفكرة؛ لتصبح أكثر جاذبية للناشر، حسبما يشير لونج. وتقول مارتل إنّ هذا أمر حيوي، لأن المؤلف المحتمل يحتاج إلى أن يقنع الناشر بأن الفكرة جديرة، وبأنه هو أفضل شخص يكتب عنها (انظر: «منحنى السرد الخاص بالتأليف»). كما يفيد في ذلك تكوين قاعدة متابعة على الإنترنت؛ فالتواصل وتبادل الأفكار والمعلومات على شبكات التواصل الاجتماعي، وإنشاء مدونة مشهورة ـ على سبيل المثال ـ يُظهران للوكيل أو للناشر أنّ الباحث قد يكون لديه عدد واعِد من القراء.
إن تأليف كتاب هُوَ أمرٌ ينطوي على أكثر من مجرد الكتابة. وفيما يلي الخطوات الست الأولى لصياغة كتاب علمي للجمهور العام.
إيجاد فكرة لافتة.. حيث إنك ستحتاج إلى أن تقنع أحد الوكلاء الأدبيين (وفيما بعد.. أحد الناشرين) بأن فكرتك فكرة عظيمة تصلح لأنْ تُنْشَر في كتاب، وأنك أفضل شخص لكتابتها.
اختر وكيلًا أدبيًّا ليكون جهة اتصال بينك وبين الناشر، ولمساعدتك على استكشاف عملية النشر. وبإمكانه أن يساعدك على تحسين فكرتك، وطرح كتابك، والتفاوض حول بنود التعاقد مع الناشر، وسيكون بمثابة محامٍ بالإنابة عنك. وإذا كنتَ مشهورًا؛ فإن أحد الوكلاء قد يسعى إليك، وإنْ لم تكن كذلك، فيمكنك أن تسأل زملاءك المشتغلين بالكتابة عن وكلائهم، أو قم بمراجعة قسم «شكر وتقدير» في الكتب التي تحوز على إعجابك. وتتباين الدّفْعات المالية المقدَّمَة إلى المؤلفين ـ وهي أموال تُدفَع مقدمًا، يتلقاها المؤلف من الناشر، ويتم خصمها من مبيعات الكتاب ـ بشكل كبير. ويتوقع الكُتّاب الحصول على ما بين 10 آلاف و80 ألف دولار أمريكي، نظير الكتابة في موضوع متخصص، لكنّ الأفكار العظيمة التي تستقطب استحسان الجمهور تحصل على أكثر من ذلك بكثير. وفي الغالب.. يحصل وكيلك الأدبي على نحو 15% من إجمالي الأرباح، بما في ذلك المقدَّم المدفوع وحقوق التأليف. وتأتي أموال أخرى من الحقوق الدولية وحقوق وسائل الإعلام المختلفة، كما يحصل الوكيل على نصيب من هذه الأرباح.
اكتب مقترحًا لما تنوي الكتابة فيه.. حيث يرغب المحررون في دور النشر أنْ يأخذوا فكرة عما تخطِّط لكتابته، قبل أن تبدأ فيه. لذلك.. غالبًا ما يعمل الكُتّاب مع وكيلٍ؛ من أجل إعداد مقترَح يضم عرضًا جذابًا للكتاب، وأحيانًا يتضمن عيِّنة من فصلٍ أو عدة فصول، وموجزًا لكل فصل. وينبغي أن يتضمن معلومات عن الكتب التي تتناول موضوعات مشابهة. بعد ذلك.. سيقوم وكيلك بإرسال مقترحك إلى ناشرين ومحررين؛ لجذب اهتمامهم. وهذا قد يستغرق أسابيع أو شهورًا.
أَلِّف الكتاب.. بعد توقيعك عقدًا مع الناشر، بإمكانك أن تتوقع أن يُتاح لك عامٌ كامل؛ لتؤلف خلاله الكتاب. وخلال تلك الفترة، ستحتاج إلى أن ترسل بعض الفصول إلى المحرر في وقت مبكر؛ للتأكد من أنك ترقى للتوقعات.
راجِع الكتاب.. فحالما تقوم بتسليمه، قد تقوم بالعمل جنبًا إلى جنب مع المحرِّر؛ من أجل تنقيح وتهذيب وتحسين الكتاب، والتأكد من أن النَّصّ كله ملائم. إن الدقةَ بالغةُ الأهمية.. وسوف تحتاج إلى مراجعة الحقائق، وفهرسة الكتاب (ويمكنك توظيف مَنْ يساعدك في ذلك). وعلى مدار عدة أشهر، سيعمل المحررون والمراجعون على النَّصّ المقبول الذي انتهيتم معًا إلى إقراره، بينما تقوم أنت بمراجعة التعديلات.
قم بتسويق الكتاب.. فحالما يبدأ البيع، ستحتاج إلى المشاركة في الدعاية. وقد تَظْهَر في برامج تلفزيونية، أو تتحدث في برامج إذاعية، أو تلقي محاضرات حول الموضوع. وربما ينتظر منك الناشر أن تشارِك في مدوّنات أو في وسائل التواصل الاجتماعي. وعليك أن تخبر معارفك عن الكتاب؛ لمساعدتك في زيادة المبيعات.
عرض الجوهر بشكل أنيق
يجب على الكُتّاب التجاوب مع قرائهم.. حيث إنّ أغلب قراء الكتب العلمية المبسطة هم ممّن تلقّوا تعليمًا جيدًا، لكنهم لم يعملوا في المجال العلمي. فإذا كانوا سينفقون 25 دولارًا أمريكيًّا في كتاب ذي غلاف مقوى، ويبذلون الوقت في قراءة 300 صفحة، فإنهم كذلك سيرغبون في الحصول على قدر من المتعة. تقول مارتل: «عليك أنْ تأخذ عقول القراء إلى مكان لن يذهبوا إليه إلا بقراءة الكتاب، وعليك أن تكون مُقْنِعًا». إن أغلب الكتب غير الخيالية ـ حتى تلك التي تتناول العلوم ـ تعتمد على أسلوب القص السرديّ، وهو أسلوب مختلف تمامًا عن الأسلوب الجاف التوضيحي لمقالات الصحف، أو عن أسلوب الدردشة المعلوماتي الذي يلائم المدونات، أو مقالات الرأي.
كتاب أيريني بيبربيرج عن أبحاث الإدراك في الببغاوات أخذ بألباب القراء. DAVID CARTER
يقول ديفيز إنه يتوجب أن يكون الأسلوب أدبيًّا، ربما أكثر مما اعتاد عليه الباحث، إذ يستخدم صيغة تخاطبية، وربما يتضمن قصصًا شخصية، أو طرائف حول العلوم. ورواية أساليب ممارسة العلوم لها الأهمية ذاتها لشرح نتائجها، حسبما يؤكد ستيفين بينكر، متخصص العلوم الإدراكيّة في جامعة هارفارد في كمبريدج بماساتشوستس، الذي من بين أفضل كتبه مبيعًا كتاب «غريزة اللغة»، (هاربر برينيال، 1994). ولإضفاء روح على القصة.. أمضى بينكر الكثير من الوقت في البحث في التفاصيل الدقيقة بالقسم المختص بطريقة إجراء البحث في عدة أوراق علمية.
إن الابتعاد عن المصطلحات العلمية، مع تجنب تبسيط الأسلوب أكثر مما ينبغي مع القراء الأذكياء قد يكون أمرًا صعبًا. فعندما كانت أيريني بيبربيرج ـ العالمة النفسية، والباحثة المشاركة في هارفارد ـ تؤلف كتابها «دراسات أليكس» (مطبوعات جامعة هارفارد، 2002)، الذي ركّز على أبحاث الإدراك لدى الببغاوات، قامت باختبار جودة كتاباتها من خلال إرسال مسوّدات أوَّلِيَّة لبعض فصول الكتاب إلى أصدقائها الذين كانوا في الجامعة، لكنهم عملوا في مجال آخر غير مجالها. تقول: «إذا استطاعوا متابعته؛ أكون قد نجحت». وتضيف قائلة إن مالكي الببغاوات أحبوا أن يكون لديهم كتاب يشرح سلوك حيوانهم الأليف، بينما أَحَبَّ العلماء أن يكون لديهم إلمام بكافة الكتابات المتعلقة بالأمر.
يُعَدّ اختيار الكلمات وإيقاع العبارات من الأمور المهمة كذلك. فعلى سبيل المثال.. يحتاج الكتاب إلى تنويع طول العبارات، واستخدام فواصل انتقالية سلسلة، حسبما يشير ديفيد هاسكيل، عالِم البيولوجيا في جامعة الجنوب في تينيسي، ومؤلف «الغابة الخفية» (فايكينج بنجوين، 2012). ويقارن هاسكيل بين الكتابة، والموسيقى، أو الطهي، قائلًا: «يجب أن يكون وقْع الكلمات ومذاقها صحيحًا». تقول مارتل ـ وهي وكيلة هاسكيل ـ إن ثراء الكتابة يحتاج كذلك إلى أن تنقِل القراء إلى مكانٍ.. بحيث لا يكونون بالضرورة منتبهين إلى أنهم يتعلمون شيئًا. وتضيف: «إنها المقدرة على جذب أناس آخرين، وجعْلِهم يرغبون في قراءة الكتاب».
يقول هاسكيل: «الأمر ليس متعلقًا بازدهار الثقافة، ولكنه متعلق بالسناجب والبكتيريا. يجب أن تكرم القراء بتقديم كلمات سلسة».
الشكل والوقت
يجب أن تكون للكتاب بِنْيَة ذات بداية واضحة، ووسط، ونهاية. ويمثل السرد الكُلِّي والإيقاع تحديًا لأي كاتب، خاصة إذا ما كان يستكشف بحرًا من الأبحاث. يقول هاسكيل: «عندها.. تكون مساعدة المحرِّر بالغة الأهمية». وبالنسبة إليه، فإن المدخلات حول بِنْيَة السرد «ارتقت حقًّا بجودة الكتاب». يقول كيفين دوتن ـ وهو المحرر الرئيس لهاسكيل، ويعمل حاليًا في دار «كراون» بنيويورك ـ إنّ الجودة العامة لكتابة هاسكيل كانت فائقة. لذا.. كان دور دوتن أن يجد المواضع التي كان إيقاع الكتاب فيها سريعًا شيئًا ما، أو تلك المواضع التي شَعُرَ فيها أن عقل القارئ قد يلتبس عليه الأمر. ثم أشار عليه قائلًا: «هذه هي المواضع التي أريدك فيها أن تبطئ قليلًا، أو التي أريدك أن تضيف إليها شرحًا».
كَتَبَ دانيال ديفيز عن الفروق الجينية في جهاز المناعة البشري، لكنّ هذا الموضوع لم يحظ بالاهتمام الواجب في سوق العلوم المبسَّطة. KATIE DAVIS
ولكونه مشروعًا كبيرًا ذا أجزاء متعددة، فإن تأليف كتاب قد يستنفد الكثير... يقول ديفيز إنه يكاد يكون من المستحيل أن تكون محاضرًا بارعًا، وباحثًا، ومؤلفًا في الوقت نفسه. فأثناء الكتابة أَبقَى ديفيز على عمله في المختبر، لكنه توقَّف عن التدريس. يقوم معظم الكُتّاب العلماء بتأليف كُتبهم خلال فترات الإجازات، أو خلال العطلات الدراسية. لقد ألَّفَت بيبربيرج كتاب «دراسات أليكس» بالعمل ثلاث ساعات يوميًّا، من التاسعة صباحًا، حتى الثانية عشرة ظهرًا، بينما كانت تمكث في المختبر لبقية يوم العمل، البالغ طوله 13 ساعة. وتوضِّح أنه خلال تلك الأثناء احتلت الكتابة مكان التدريس والعمل في إحدى اللجان الجامعية.
يجب على المؤلفين الشروع في التسويق، حالما يتم نشر الكتاب. وعليهم أن يكونوا على استعداد للحديث عنه أمام القارئ العادي، وقد يُطلب منهم أن تتم استضافتهم في حوارات على إحدى محطات الراديو، أو التلفاز، وأن يلقوا محاضرات. إنّ التسويق أمرٌ مرهق حقًّا.. «فليس هناك وقت كافٍ في اليوم، ولا طاقة كافية في الجسد»، حسبما يقول هاسكيل، الذي هو حاليًا في إجازة من التدريس ـ غير مدفوعة الأجر ـ لمدة عام؛ للترويج لكتابه الحالي، والإعداد لكتابه التالي. وفي العام الماضي، اعتمد دخْله على أرباح كتابه، وعلى الأجر الذي تقاضاه نظير الاشتراك في فعاليات متعلقة بالكتاب.
بسبب هذه المتطلبات.. ينصح أغلب العلماء المؤلفين غيرَهم من الباحثين الأكاديميين بألّا يَشْرعوا في تأليف كتاب، قبل أن يتم تثبيتهم في وظائفهم. يقول بينكر: «أعتقد أن هذا خطأ، حتى تصبح واثقًا من إنشاء مختبَر، ومن الحصول على مِنَح». يقول ديفيز: «إن الأشخاص الذين لديهم شغف دائم بتأليف الكتب، ما عليهم إلا أن يخوضوا غمارها، حالما تسنح لهم الفرصة، وإلّا فقد تفوتهم».
قياس النجاح
إن التنبؤ بأيّ الكتب سينجح، وأيها سيفشل ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق. وحتى إذا حاز الكتاب على إطراء النقاد، فليس هناك ضمان بأن يُحْسِن الجمهورُ استقباله. يقول هاسكال إنه كان من بين المحظوظين؛ فكتابه «الغابة الخفية» كان من بين الكتب التي وصلت إلى النهائيات في «جائزة بوليتزر للكتب العامة غير الخيالية»، وهو من بين الكتب التي فازت في عام 2013 بجائزة الكتاب، التي تمنحها أكاديمية العلوم القومية الأمريكية. يقول هاسكال إنه أيضًا حقق مبيعات مرتفعة من خلال منافذ بيع الكتب العادية، وكذلك نتيجة لاستخدامه ضمن الدراسة الأكاديمية.
بِغَضّ النظر عن النجاح التجاري، فإن الطاقة الذهنية التي يتم استثمارها في تأليف الكتب يمكن أن تثري المسار المهني العلمي. ينظر بينكر إلى الكتابة باعتبارها امتدادًا لأبحاثه الأكاديمية؛ إنها بمثابة ممارسة العلوم النظرية في وجود جمهور. وقد استفاد ديفيز من الوقت الذي قضاه في التفكير في 60 عامًا من الأبحاث، وفي إجراء المقابلات مع علماء آخرين.. فمنذ أنْ أَلَّفَ كتابه، عمد إلى استخدام الأفكار التي تصادفه في صياغة موضوعات جديدة للأبحاث العلمية التي يجريها مع فريقه. إن رؤية الصورة الكاملة تكشف عن طرق جديدة للتركيز على الأسئلة المهمة في المجال. فعلى سبيل المثال.. يبحث مختبره الآن في كيفية استجابة الأنظمة المناعية الخاصة بأفراد مختلفين لأنواع متباينة من الخلايا المريضة.
وقد أسهم كتاب لونج في زيادة شهرته وأتاح له فرصتين غير متوقعتين.. فهو الآن يقوم بإعداد مجموعة محاضرات، بعنوان «مقدمة في الروبوتات» لحساب شركة «جريت كورسيز»، وهي شركة في تشانتيلي في فرجينيا، تبيع مواد دراسية على أقراص مدمجة (دي في دي). كما أقام لونج تعاونًا بحثيًّا مع جوش بونجارد، باحث المعارف الإدراكيّة في جامعة فيرمونت في بورلينتون، وقد التقى به بعد أن قام بونجارد بكتابة نقد لكتابه في دوريّة «نيو ساينْتِيست».
لطالما كان نشر الكتب مجال عمل ينطوي على مخاطرة. تقول لورا وود من شركة «فاين برينت للإدارة الأدبية» في نيويورك: «إن مقدار العمل لا يتناسب مع عائده المادي». كما يؤكد هاسكيل على أن الأمر لا يتعلق بالمال، بل إن «الحب غير المحدود للغة والعلوم، هو المبرِّر الوحيد الذي أراه لتمسك بالقلم».