افتتاحيات
ملخصات محاضرات
تذكِّرنا ملخصات الفيزياء ـ التي جذبت جيلًا بأكمله ـ بأنّ المدرسين بحاجة إلى الدعم.
- Nature (2014)
- doi:10.1038/504008a
- English article
- Published online:
إنه كتاب تدريس الفيزياء الذي يبلغ عمره خمسين عامًا، ويصل عدد صفحاته إلى ألف وخمسمئة صفحة، والذي أعلن مؤلفه الشهير أن الكتاب ذو محتوى فاشل. وطبقًا لمراجعات عديدة على الإنترنت، فهو كتابٌ "ساحرٌ"، و"كتابٌ استثنائي لمؤلف استثنائي". ولا نبالغ، إذا قلنا بصيغة مناسبة: "إذا كنتَ تريد تحصيل الفيزياء كلها بالشكل المعتاد، فعليك بشراء وقراءة كتاب فيزياء جيّد. أما إذا أردتَ أن تتذوق الفيزياء، وتدرك حقيقتها بعُمْق؛ فعليك إذن بهذا الكتاب".
ربما أكثر ما يثير الدهشة في كتاب "محاضرات فَينمان في الفيزياء" ـ وهو الكتاب الذي نتحدث عنه هنا ـ هو أنه ضُيِّقَ عليه جدًّا لحظة ولادته. وروبرت لَيتون ـ رئيس اللجنة المسؤولة عن تطوير تدريس الفيزياء بمعهد كاليفورنيا للتقنية (كالتِك) في باسادينا في بداية الستينات ـ لم يكن يرى أن فينمان هو الرجل المناسب لهذه المهمة. وكان تعليقه آنذاك: "هذه ليست فكرة جيدة، ففينمان لم يقم بتدريس أية مقررات تعليمية لطلاب الجامعات، ولا يعرف كيف يتحدث إلى المبتدئين، وما يمكنهم تَعَلُّمه". وفي الوقت نفسه تقريبًا، (صادف أنْ قرَّر أحد المسؤولين بشركة "دِكّا للتسجيلات الموسيقية" أن "فرقة البيتلز ليس لها مستقبل في مجال الاستعراض").
انتصر ليتون في هذه الجولة، لكنّ التحول من سلسلة محاضرات محدودة ـ ألقاها فينمان مرة واحدة بين عامي 1961، و1963 ـ إلى كتاب دراسي ما زال يلهمنا روح التفاني بعد خمسة عقود، كان لا بد أن يكون قرارًا مشوبًا بالتردد. يَذكر ماثيو ساندز ـ الذي ساعد في تنظيم المحاضرات، وشارك في تأليف الكتاب ـ أن المسودة الأولى التي تم تسلّمها من دار النشر في عام 2005 كانت "كارثية" (M. Sands Phys. Today 58, 49-55; April 2005). كان أحد المحررين قد أعاد ـ بحُسْن نِيّة ـ صياغة اللغة العامية التي استخدمها فينمان؛ لتكون أنسب ككتابٍ دراسي تقليدي، وكان من أبرز ما فعله أنه استبدل بكلمة "أنت" ـ التي يستخدمها الفيزيائيون عادةً في حواراتهم، وبشكل غير لائق ـ كلمة "الفرد". يذكر ساندز أيضًا (ردّ فعل فينمان على فكرة تأليف مشترك للكتاب مع ساندز وليتون: "بأي حق تُوضع أسماؤكم هنا؟ ما قمتم به هو كتابة سريعة للمسودات!")
كما يستنتج روب فيليبس ـ في مقالة تستعرض أحداثًا ماضية في هذا العدد ـ أنّ سر بقاء كتاب محاضرات فينمان يكمن في كونه سابقًا لعصره، ولأن "تقديمه للفيزياء الأساسية كان ينطوي على طموح أعلى، هو حب الطبيعة وفهمها من خلال التجريب والتفكير". لقد تحولت الفيزياء على يد فينمان من مجرد وصف للعالم إلى منهجية للتفكير بشأنه. وتلك المنهجية اجتذبت جيلًا بأكمله.
إن الرّواج الهائل الذي تحظى به هذه المحاضرات، والجاذبية المستمرة للكتب التي بُنيت عليها تكمن في العبقرية الشخصية والتلقائية التي يتمتع بها فينمان. وينبغي أن نذكر أن هذه المحاضرات قد تكلفت الكثير من العناء في إعدادها وممارستها، فضلًا عن الدعم المالي الكبير الذي حظيت به. (كانت هذه المحاضرات جزءًا من سلسلة أكبر من التغيرات التي طرأت على التدريس بقسم الفيزياء بمعهد "كالتِك"، والتي تم تمويلها بحوالي مليون دولار أمريكي من مؤسسة "فورد").
سيبقى هذا درسًا، يجدر بالمسؤولين في الجامعات أن يتذكّروه، حيث يتم إيقاف تمويل الأبحاث، وممارسة الضغوط على أعضاء الكلية؛ لزيادة أعباء جداولهم الدراسية. يمكن للقادرين أن يقوموا بالتدريس، لكنهم بحاجة إلى الدعم.