أخبار
المزارعـون يأملـون في جـودة التربـة
هناك تقنية تحليلية تَعِد بمطابقة الأسمدة لنوعية التربة؛ في محاولة لزيادة المحاصيل في أفريقيا.
- Nature (2013)
- doi:10.1038/502607a
- English article
- Published online:
Shehzad Noorani/Still Pictures/Robert Harding Picture Library
يضطر مزارعو أفريقيا جنوب الصحراء إلى التعامل مع نوعيات من التربة تفتقر إلى العناصر الغذائية اللازمة لإنتاج المحاصيل.
تُقابَل الجهود المبذولة للبدء في استعمال الأسمدة الكيماوية في أفريقيا جنوب الصحراء بالكثير من القلق، لما قد يترتب على هذا من آثار جانبية مضرة بيئيًّا واقتصاديًّا. فمن شأن المنتجات أن تحسن من نوعية التربة ـ وهذا مفيد في أفريقيا، لافتقار التربة للعناصر الغذائية المهمة ـ والمساعدة على زيادة المحاصيل، لكن الأسمدة غالية الثمن بالنسبة للمزارعين الذين يزرعون المحاصيل المعيشية، ومن الممكن أن تتسرب إلى المصادر المائية، متسببةً في مضار صحية. ولطالما رغب علماء البيئة في مساعدة المزارعين الفقراء على اختيار واستعمال الأسمدة؛ حتى يتمكنوا من مطابقة الأسمدة مع التربة؛ وبالتالي استعمال كميات أقل منها.
في الأسبوع العالمي للتربة الذي أقيم في برلين في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي، عرض الباحثون تقنيات تحليلية، من شأنها تمكين المزارعين من عمل هذا، منها تقنية التحليل السريع لخصوبة التربة، وهي تقنية قياس طيفية جديدة تُستعمل لتحليل عينات وإنتاج خرائط تربة محددة الموقع للمزارعين، يمكنها أن تساعد على تقليل كمية السماد اللازم؛ لإيصال الاكتفاء الذاتي من الغذاء للنصف في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، حسب قول المؤيدين. أما النقاد، فيجادلون بأن التقنية ليست عملية ومكلفة، وأن الأسمدة العضوية كالروث تُعدّ أرخص وأفضل للبيئة.
يعاني قرابة 223 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء من نقص التغذية ـ ويمثل هذا العدد حوالي ربع اجمالي السكان بالمنطقة ـ وذلك بحسب تقديرات المنظمة العالمية للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو FAO). كان معظم الإقليم قد غفل عن الالتحاق «بالثورة الخضراء» التي حصلت في أواخر الأربعينات حتى الستينات، والتي رفعت من إنتاجية المحاصيل في أنحاء أخرى في العالم. لم يبدأ مزارعو بعض المناطق الأفريقية في استعمال الأسمدة، إلا مع حلول العقد الماضي. وفي المتوسط، يستخدم المزارعون 9 كيلوجرامات للهكتار الواحد سنويًّا، مقارنة بأكثر من 200 كيلوجرام مستعمَلة في المناطق كثيفة الزراعة، كألمانيا. ونتيجة لذلك.. فإن ناتج المحاصيل يكون أقل بنسبة 30 ـ %80.
لقد نجح الاستعمال واسع الانتشار للأسمدة الكيماوية في زيادة الاكتفاء الغذائي في العديد من البلاد، مثل الصين والهند، لكن الآثار البيئية والصحية للأسمدة الكيماوية تثير القلق، حيث تواجه الصين ـ بشكل أخص ـ مشكلة تلوث كبيرة، نتيجة الاستعمال الزائد للسماد النيتروجيني، الذي يؤثر سلبيًّا علي جودة الهواء وتلوث المياه الجوفية، والقضاء على الحياة المائية.
ولتجنب مثل هذه المشكلات في المزارع الأفريقية، يعمل العلماء مع المزارعين المحليين على نمذجة المحاصيل وإدارة العناصر الغذائية. وتُجرى تجارب حقلية حاليًا لتقييم الكفاءة البيئية لكل من الأسمدة العضوية والكيماوية في مناطق مختلفة جغرافيًّا ومناخيًّا، منها: إثيوبيا، وكينيا، ومالاوي، وأوغندا، وتنزانيا.
والهدف، كما يقول رولف سومر ـ وهو عالِم زراعي في «المركز الدولي للزراعة الاستوائية» CIAT في نيروبي ـ هو تزويد أصحاب الحيازات الصغيرة بمعلومات سهلة الفهم، تساعدهم على تحديد أفضل خيار، اقتصاديًّا وبيئيًّا. وللمساعدة، فقد طوّر الباحثون بـ«المركز الدولي للزراعة الاستوائية» التقنية الطيفية، التي تستعمل ضوءًا متوسط الأشعة تحت الحمراء؛ للتحديد الدقيق لكل من خصائص العناصر المعدنية، والمحتوى الغذائي والكيمياء العضوية للأراضى في جنوب الصحراء الكبرى. ومع أن التقنية تُعَدّ في بداياتها، لكنها تَعِد بالتمكُّن قريبًا من تقييم ورسم خرائط للمحاصيل المحتملة في الأراضي في هذه المنطقةـ وسيتم تزويد المزارعين بهذه المعلومات. يقول سومر: «إذا عرف المزارعون أي أسمدة يستعملون، والوقت المناسب لاستعمالها؛ سيحتاجون كميات أقل، وستعمل بشكل أفضل».
ويضيف بأنه سيكون باستطاعة المهندسين الزراعيين في هذه الحالة عمل توصيات مستنيرة حول المزيج المناسب، وأفضل طريقة للترشيد الاقتصادي لاستعمال السماد، وهي الممارسة التي من شأنها أن تجنب التكاليف البيئية والمالية الناتجة عن الاستعمال الزائد للأسمدة.
يقول رونالد فارجاس، موظف إدارة التربة والأرض في منظمة الفاو في روما: «يتوجب علينا زيادة الإنتاجية الغذائية بطريقة مستدامة. ويُعدّ فهم مدى صحة وحالة الأراضي الاستوائية متطلبًا في أي استعمال حكيم للأسمدة». ويضيف قائلاً إن التطورات في القياس الطيفي للتربة «تبشر بالخير»، والتحليل الطيفي موجود على أجندة ورشة العمل الخاصة في منظمة الفاو لمراقبة التربة في روما في ديسمبر الحالي.
هناك فريق غير مقتنع بتلك التقنيات الحديثة. فعلى الرغم من أهمية تحليل التربة، حسبما يقول جوهانس كوتشي، عالم التربة في جمعية الزراعة والبيئة في ماربورغ، ألمانيا، «إلا أن فكرة تأثير تكنولوجيا المختبرات المكلفة والدقيقة على الممارسات الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء أمر بعيد الاحتمال»، مضيفًا أنه يمكن تحديد العناصر الغذائية وحموضة التربة بسهولة عن طريق شرائط الاختبار المتوفرة والرخيصة.
يعتقد كوتشي أيضًا أن الأسمدة العضوية كالروث، والكومبوست، والمخلفات النباتية من شأنها أن تلعب دورًا أكبر في الجهود المبذولة لزيادة الإنتاجية. يقول كوتشي: «ليس السماد النيتروجيني بحل سريع لمشاكل التربة. فإن استعماله ينتِج الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري؛ ويتسبب في تدمير التربة، بدلًا من تحسينها». ويشير أيضًا إلى أن العديد من أصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا جنوب الصحراء لا يستطيعون شراء الأسمدة الكيماوية بأي حال.
ويعترف معظم العلماء الزراعيون بأن إضافة السماد الكيماوي وحده ليس هو الحل لمشكلة لأفريقيا الإنتاجية، كما أن الحل العضوي وحده فقط بإرشاد منظمات بيئية ـ كمنظمة السلام الأخضر Greenpeace ـ لن يفي بالغرض، حسب قول سومر.
ويقول سومر: «إن ممارسات الزراعة المحافظة على البيئة تستغرق الكثير من الوقت. والسماد العضوي المنتج في المزرعة ليس بإمكانه تزويد التربة بالعناصر الغذائية. ويجب علينا إيجاد حلول مناسبة للمزارعين المحليين. لقد انقضى الوقت الذي طبّق فيه المزارعون الأفريقيون حرفيًّا ما أملاه عليهم علماء الغرب وظنوه في صالحهم».