أخبار
آلِيـَّة النقــل الخلوي تحصـل عـلى «نوبــل»
مُنحت جائزة الطب لمُكْتَشِفي النظام الحويصلي الذي ينقل الجزيئات الحيوية حول الخلايا.
- Nature (2013)
- doi:10.1038/502149a
- English article
- Published online:
كشف توماس سودوف (اليمين)، وراندي شيكمان، وجيمس روثمان عن كيفية تفاعل الحويصلات مع الأهداف. Tony Avelar; Hadar Goren; Yale Univ
تقاسم العلماء الثلاثة الذين شرحوا تفاصيل «خدمة النقل الخلوي» جائزةَ «نوبل» في الفسيولوجيا أو الطب لهذا العام. فقد حدَّد عملهم الكيفية التي تقوم بها الخلايا بنقل البروتينات والجزيئات الحيوية الأخرى من مكان إلى آخر. وهي عملية مهمة في إطلاق مركبات النواقل العصبية، وإفراز الإنسولين، وفي عدد لا يُحصى من المهام الأخرى.
وستُمْنَح الجائزة ـ وهي بقيمة 8 ملايين كرونة سويدية (1.2 مليون دولار) ـ إلى جيمس روثمان من جامعة ييل في نيو هيفن، كونيتيكت؛ وراندي شيكمان من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وسودوف توماس سودوف من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، وذلك في الحفل الذي سيقام بهذه المناسبة في يوم 10 ديسمبر في ستوكهولم.
يقول شيكمان: «كان أول رد فعل لي هو «يا إلهي!». وكان ذلك أيضا رد فعلي الثاني».
اختصّت لجنة نوبل الباحثين الثلاثة بالجائزة؛ «لاكتشافاتهم الآليات التي تنظم حركة النقل الحويصلي، أي أحد أنظمة النقل الرئيسة في خلايانا». والحويصلات هي حزم صغيرة، مغلَفة بطبقة من الدهون، تنقل الجزيئات الحيوية حول الخلية من خلال اندماجها مع غيرها من البنى الأخرى.
يقول هيدي بلو ـ اختصاصي علم المناعة في معهد وايتهيد في كمبريدج، ماساتشوستس ـ إن عمل الفريق الثلاثي هو أساسي جدًّا لبيولوجيا الخلية لدرجة يسهل معها اعتبار العمل أمرًا مسلَّمًا به. ويضيف: «عندما نُدرِّس بيولوجيا الخلية لطلبة تخصصات البيولوجيا وطلبة الدراسات العليا، فإن العديد من جوانب النقل الحويصلي تُقدَّم كما لو كانت أمرًا معروفًا طوال الوقت».
بدأ روثمان وشيكمان عملهما في أواخر السبعينات من القرن العشرين، عندما أدرك العلماء أن الحويصلات تؤدي دورًا في النقل الخلوي، لكنهم كانوا يعلمون القليل عن الكيفية التي تساعد بها هذه البِنَى على تطويع العمليات المختلفة الداخلية للخلية. وقد سلك الاثنان طرقًا مختلفة جدًّا لتحديد الطرق التي تُشكِّل بها الخلايا الحويصلاتِ، وكيف تَعْرِف هذه الحزم إلى أين تذهب، وكيف تندمج مع الأغشية الأخرى.
بدأ روثمان ـ المعروف بطريقته المنهجية في الكيمياء الحيوية (الذي أشار البعض في عدد من المؤتمرات إلى شبهه الغريب بملك إنجلترا هنري الثامن) ـ كباحث شاب في جامعة ستانفورد يهدف إلى إجراء العملية برمتها في أنبوب اختبار. وتضمَّن العمل البحث عن البروتينات عن طريق تصفية خلاصات من خلايا الثدييات، التي كان البعض منها قد أصيب بعدوى فيروسية، مثل العديد من الفيروسات الأخرى التي تستخدم نظام النقل الحويصلي. فاستُخْدِمت إحدى البروتينات الفيروسية كعلامة لتتبع مراحل الانتقال عبر النظام الحويصلي.
استخلص فريق روثمان عدة بروتينات حاسمة بالنسبة إلى اندماج الحويصلات مع أهدافها من الأغشية الأخرى. أُطلق على الأول منها اسم: «العامل الحساس للمركب إن-إيثيل ماليميدي» N -ethylmaleimide-sensitive factor، أو اختصارًا: البروتين NSF.
وعبر خليج سان فرانسيسكو في بيركلي، اتخذ شيكمان وفريقه منهجًا أكثر تنوعًا لدراسة المشكلة نفسها. قام الباحثون بإحداث طفرات في سلالات من الخميرة من النوع Saccharomyces cerevisiae، وفحصوها؛ بحثًا عن السلالات التي لم تعد قادرة على نقل بعض الإنزيمات حول الخلية. اكتشفت التجارب في نهاية الأمر 23 «جينًا إفرازيًّا»، وكان واحدًا منها مسؤولًا عن ترميز البروتين NSF.
في البداية، ظل العديد من العلماء متشككين في النتائج، حسبما قال مارينو زيريال، اختصاصي علم الأحياء الجزيئية، الذي يدرس النقل الخلوي في معهد ماكس بلانك للبيولوجيا الجزيئية للخلية وعلم الوراثة في دريسدن، ألمانيا. وأضاف قائلًا: «علماء الكيمياء الحيوية لا يحبّذون المقاربة الوراثية. وعلماء الوراثة يشكِّكون في المقاربة البيوكيميائية».
وفي الأعمال اللاحقة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن العشرين، حدّدت مختبرات شيكمان وروثمان الآليات الأساسية لاندماج الحويصلات، التي تتعرف من خلالها البروتينات المغروسة في أغشية الحويصلات على البروتينات في أغشية أهدافها، وذلك من خلال آلية «القفل والمفتاح» التي لا تزال غير مفهومة تماماً. يقول زيريال: «إن الحماس الناتج عن هذين العالَمَيْن هو أمر لا يصدق. إنهما مَثَلي الأعلى».
وفي الوقت نفسه، ركز بحث سودوف على اندماج الحويصلة في الخلايا العصبية، التي تتواصل مع الخلايا العصبية الأخرى من خلال النواقل الكيميائية العصبية التي يتم تعبئتها في الحويصلات. في بداية أواخر الثمانينات من القرن العشرين، قام سودوف وفريق بقيادة ريتشارد شيلر ـ الذي يعمل الآن في جينينتيك، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية في جنوب سان فرانسيسكو، كاليفورنيا ـ بتحديد عدد من البروتينات المهمة لهذه العملية. كذلك بيّن سودوف كيف يقوم الكالسيوم بتحفيز اندماج الحويصلات الحاوية للناقلات العصبية.
يقول وليام ويكنر اختصاصي الكيمياء الحيوية في كلية طب دارتموث في هانوفر، نيو هامبشاير: «إنها قصة رائعة، عن تحولنا في فترة زمنية قصيرة نسبيًّا، 25 أو 30 عامًا، من معرفة لا شيء تقريبًا عن كيفية حدوث النقل الغشائي في الخلايا، إلى معرفة البروتينات والعناصر الفاعلة، وامتلاك فكرة معقولة عن كيفية عملها. إن هؤلاء الثلاثة هم المسؤولون عن إحراز تقدم جوهري عظيم».
أما يوهانس هيرمان، اختصاصي بيولوجيا الخلايا في الجامعة التقنية في كايزرسلوترن في ألمانيا ـ الذي درّبه شيكمان، ويدين بالفضل لمعلمه السابق ـ فيقول: «إنه يوم عظيم». ويتذكر أن شيكمان كان يضع أهدافًا كبرى لمختبره، وعندما يتم تحقيقها؛ كان يكافئ المختبر بأكمله بولائم العشاء. كما أن شيكمان كان يشجع طلبته على السعي وراء مساعٍ أخرى، مثل السفر والاطلاع على الفنون. لذا.. فليس من المستغرب أن شيكمان عمل محررًا لدوريّة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» في الفترة من 2006 حتى 2011. وعندما تركها؛ ذهب ليصبح رئيس تحرير دورية «إي-لايف».
يقول بلو إنّ الجائزة تسلط الضوء أيضًا على أهمية البحوث البحتة (الأساسية) بالنسبة إلى الطب الحيوي. «إن هذا يكّرم اكتشافًا بحتًا، أعتقد أنه تمَّ بدون أي حاجة ملحَّة إلى حل مشكلة طبية».
والفائزون الثلاثة هم الفائزون السابقون بجائزة آلبرت ليسكر الأساسية للبحوث الطبية البحتة، التي كثيرًا ما تُعتبَر مؤشرً لجوائز نوبل في الطب في المستقبل. وقد فاز بها سودوف هذا العام (جنبًا
إلى جنب مع شيلر) لعمله على إطلاق النواقل العصبية. وكان شيكمان وروثمان قد اقتسما الجائزة في عام 2002.