أخبار

جيولوجيّون يحفرون في صخور الترياسي

يتوقع أن يعطي اللُّب الصخري في أريزونا صورةً متماسكة لعصر مضطرب.

ألكزاندرا فيتزه
  • Published online:

يتوافد السائحون إلى منتزه الغابة المتحجرة الوطني بولاية أريزونا ليشهدوا سجلًا عظيمًا متألقًا من الخشب المتحجر، لكنّ الجيولوجيين وفدوا إلى هناك مؤخرًا؛ بحثًا عن شيء أقل وضوحًا وأكثر أهمية علميًّا: الحصول على عينة أسطوانية من اللب الصخري بحفر نصف كيلومتر في صخور عمرها يتجاوز 200 مليون سنة.

سوف يقضي الحفّارون عدة أسابيع يثقبون خلال طبقات صخر تؤوي حفريات الديناصورات المبكرة الصغيرة، والفايتوصورات العملاقة phytosaurs شبيهة التمساح، فضلًا عن أوراق الشجر وحبوب اللقاح لنظام بيئي كامل متحفر. والهدف من المشروع ـ الذي بلغت كلفته 970 ألف دولار ـ هو رتق صورة كاملة للعصر الترياسي الأوسط والمتأخر، وهي فترة زمنية مضطربة شهدت حدوث انقراض شامل، وظهور الديناصورات. ويأمل الجيولوجيون في استخدام تحليل اليورانيوم المشع بطبقات الرماد البركاني باللب لتأريخ أحداث وقعت منذ 205 إلى 235 مليون سنة، وهو ما وقع بالضبط قبيل تفكك قارة بانجايا Pangaea الفائقة.

يقول جون جايسمَن، الجيولوجي بجامعة تكساس، بدالاس، وأحد قادة المشروع: «إنها فرصة فريدة لوضع إطار زمني متماسك لجزء مهم من الترياسي». ويضيف: «بالتأكيد، لدينا سجلات قاريّة أخرى للترياسي، لكنْ عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، فإن منطقة الغابة المتحجرة رتق جيد للغاية».

امتد جهد الإعداد والتحضير للحفر بالغابة المتحجرة سنوات. وهو متابعة لمشروع لب صخري عن الترياسي، كان قد تم حفره من نيوارك بحوض الروسبيات بولاية نيو جيرسي بين 1990 و1993 (المرجع 1). يهدف ذلك المشروع إلى استخلاص تغيرات كمية الرواسب التي ترسبت عندما اجتازت الأرض تحولات دورية في شكل مدارها حول الشمس. يقول بول أولسن، الجيولوجي بمرصد لامونت دوهيرتي للأرض في باليسيدز، نيويورك، وعضو فريق المشروع: «إذا استطعنا إظهار أن نطاق نيوارك الزمني صحيح، يمكننا تجريبيًّا معايرة سلوك النظام الشمسي. وربما كان هذا الجانب هو الأكثر إثارة بالنسبة لي».

وهذا الجهد ـ الذي تموله مؤسسة العلوم الوطنية، وبرنامج الحفر العلمي القاري الدولي ـ قد يساعد أيضًا في حل نزاع محتدم. فالمقارنات بين بيانات نيوارك مع بيانات صخور الترياسي في البحر المتوسط قادت بعض الباحثين لاقتراح تنقيح تاريخ تلك الفترة جذريًّا. وتؤدي إعادة العمل هذه إلى تقسيم واحد ـ مرحلة نوريان ـ يستحوذ على قرابة نصف الفترة الزمنية لكامل عصر الترياسي، وتغيير تواريخ أحداث تطورية رئيسة، ومنها ظهور ديناصورات معينة.

كبر الصورة


يظل مفهوم مرحلة «نوريان طويلة» يثير الجدل بشدة2، وسوف ينبغي للب الغابة المتحجرة الصخري التقاط سجل كاف لحسم الجدل. بيد أن الصخور بها ثغرات زمنية كثيرة، نتيجة العوامل الجوية، أو أحداث جيولوجية مفاجئة. وبسبب تآكل السطح، مثلًا، لن يلتقط اللب الصخري النهاية الحقيقية للترياسي التي تقترب من حوالي 200 مليون سنة، عندما اجتاح انقراض شامل الكوكب؛ مما أفنى كثيرًا من أقرباء الديناصور، بل سيبدأ اللب بصخور تعود إلى حوالي 205 ملايين سنة، في طبقات تعرف بتكوين شنله Chinle (انظر: «تاريخ خفي»). وسوف يرتحل اللب، مع عدة فواصل زمنية، عبر تكوين «مونكوبي» Moenkopi، ويقف عند صخور عمرها حوالي 235 مليون سنة. ثم يتخطى السجل عشرات ملايين السنين إلى صخور من العصر البرمي الذي سبق الترياسي.

يقول جايسمن: «نعلم أنه ستكون هناك أجزاء مفقودة»، لكن الحصول على سجل كامل تقريبًا لأكثر الترياسي ـ في هذه الطبقات الصخرية المدروسة جيدًا ـ لا بد أن يكشف كنزًا من المعلومات.

استكشف الجيولوجيون منطقة الغابة المتحجرة منذ خمسينات القرن التاسع عشر، وكان أحدث الاستكشافات لأجل حفرياتها الغنية من العصر الترياسي. ومنذ 2004، تم اكتشاف هياكل عظمية عديدة لحيوان منقرض يشبه التمساح، يسمى «ريفويلتوصور» Revueltosaurus، كان يُعرف سابقًا من أسنانه فقط. وهناك جابت الديناصورات المبكرة، مثل «كويلوفيسس» Coelophysis الذي يقارب حجمه حجم الكلب، وأظهر التأريخ الإشعاعي كيف كانت هذه الديناصورات مرتبطة بتلك الموجودة في أجزاء أخرى من الأمريكتين3.

يقول بيل باركر، عالم إحاثة الغابة المتحجرة: «تنتشر الصخور الحاملة للحفريات في كل مكان بالحديقة المتحجرة تقريبًا. ويتمثل التحدي في ربط الاكتشافات المنفصلة بقصة متماسكة ومؤرخة جيدًا»، فصخور سطحية عديدة جرى تعريضها للعوامل الجوية بشكل سيئ لدرجة تشويه العلاقات بين الحفريات، جعلت من التأريخ الإشعاعي مستحيلًا. يقول باركر: «إنها ليست كالأخدود العظيم (جراند كانيون)، حيث يمكنك السير أسفله، ورؤية جميع الصخور في نصابها وترتيبها الصحيح». ويضيف: «استخراج عينة من اللب الصخري يزيل تلك المشكلة، عندما تحصل على مقطع واحد كامل». ويُسمح بالحفر في المنتزهات الوطنية بالولايات المتحدة بموافقة مُشْرِف المنتزه. والغابة المتحجرة غير عادية، حيث تعتبر نفسها منتزهًا علميًّا، وتضم باركر ضمن فريقها كعالم إحاثة بدوام كامل.

السؤال المهم لدى الباحثين: متى يمكن أن يبدأ الحفر؟ كان الفريق يأمل بالبدء في 8 أكتوبر، لكن أصبحت هذه الخطة موضع شك مؤخرًا. فالغابة المتحجرة مغلقة منذ أول أكتوبر، مع بقية الحكومة الأمريكية. ولن يفتح المنتزه إلا عندما يوافق الكونجرس على خطة لاستمرار تمويل الحكومة. وإذا تأخر الأمر طويلًا، قد تُعاد جدولة الحفر إلى الربيع المقبل.

وفي نهاية المطاف، إذا كانت نتائج المشروع العلمية قوية، فستمهِّد الطريق لدراسات أكثر لتاريخ العصر الترياسي المدفون. ويضع الفريق نصب عينيه مواقع أخرى من اللب الصخري يمكن حفرها.

  1. Olsen, P. E. et al. Geol. Soc. Am. Bull. 108, 4077 (1996).

  2. Lucas, S. G. et al. Earth-Sci. Rev. 114, 118 (2012).

  3. Irmis, R. B. et al. Earth Planet. Sci. Lett. 309, 258267 (2011).