أخبار

أكـوام من التشريعات للسجائـر الإلكترونيـة

قد تمثِّل أجهزةُ التدخين الإلكتروني المستقبَلَ «الصحي» للتدخين، أو تهديدًا.

دانيال كريسي
  • Published online:

قد تحمي السجائر الإلكترونية أرواح ملايين المدخنين، أو ربّما تضع ملايين من غير المدخّنين على طريق إدمان النيكوتين بما يُحدث ثورة في صناعة التبغ؛ لتصبح مساومة ناجحة. وبهذا.. يكون السؤال المتداوَل على شفاه خبراء الصحّة وصناع السياسات والمستهلكين على حد سواء هو ما إذا كانت الأجهزة مشكلة صحية تحتاج تشريعًا محكمًا، أم أنّها وسيلة مساعِدة مُرحَّب بها للمدخنين الذين يسعون إلى الإقلاع عن التدخين؟

بعد أقل من عقد منذ ظهورها الأوّل، أصبحت السجائر الإلكترونيّة صناعةً، حجمها مليارات الدولارات، رغم أنّ هناك عشرات المنتجات المختلفة، يعمل معظمها بالمبدأ نفسه: تقوم العناصر الساخنة بتبخير السائل المحتوِي على النيكوتين، وهو ما يُمكن استنشاقه فيما بعد كـ«دخان». (انظر: «دخان بدون نار»).

ومع ذلك.. هذه الأجهزة ليست بدون مخاطر، فمع تزايد أعداد المستخدمين بالولايات المتّحدة إلى مليونين ونصف مليون مستخدم، بدأت الأجهزة الرقابيّة تبدي اهتمامها. ففي أكتوبر، تُوُقِّع من إدارة الغذاء والدواء (FDA) أن تصدر حكمًا يؤكّد اختصاصها بسلطة تنظيم وإخضاع السجائر الإلكترونيّة للتشريع، مما يتجاوز قرار محكمة سابقًا، قَضَى بألا تُعامَل السجائر الإلكترونيّة كأجهزة طبيّة. كما يقوم الاتحاد الأوروبي بإصلاح تشريعاته الخاصة بالتبغ عبر إعداد تشريع كبير، تَعتبِر مسودته الحالية السجائر الإلكترونيّة أجهزة طبيّة. وقد صوّت البرلمان الأوروبي على هذا التشريع في 8 أكتوبر.

كبر الصورة


ولأنّ قليلًا من البحث أُجري على تأثيرات السجائر الإلكترونيًة، تفتقد هذه التحرّكات أساسًا علميًّا متينًا. ومن المقبول عمومًا أن تُعتبر السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا من السجائر التقليديًة، رغم أن دراسات أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة و«هيلث نيوزيلندا» ـ مؤسسة استشاريّة مقرها كرايستشيرش ـ أظهرت أنّ بعض الماركات تحوي مسرطنات وكيماويّات سمية أخرى، بما فيها ثنائي إيثيلين الجلايكول، ونايتروزامينات (A. D. Flouris and D. N. Oikonomou Br. Med. J. 340, c311; 2010).

وإذا استُخدمت السجائر الإلكترونيّة باعتدال؛ فإنّ جرعات النيكوتين منها تكون أقل من تلك الناتجة عن تدخين السجائر، لكنْ رغم خلو الأجهزة من الدخان، يسبب النيكوتين نفسه ارتفاع ضغط الدم، والخفقان، ويدفع بقوة نحو الإدمان. هذا.. والمعلوم قليلٌ عن الآثار طويلة المدى لبخار السجائر الإلكترونيّة.

ويرى بعض الخبراء في السجائر الإلكترونيّة منقذًا. يقول بيتر هيجَك، مدير وحدة أبحاث الاعتماد على التبغ في بارتس، وكلية لندن للطب وطب الأسنان: «قد تقضي السجائر الإلكترونية على التدخين كما نعرفه. إنّ ذلك أكبر أمل لدينا لإنهاء وباء التبغ».

ونظرًا إلى تزايد أعداد شركات التبغ الكبرى في سوق عالمي، قيمته ملياران من الدولارات، فشلت أجهزة الرقابة في مجاراة السوق، جزئيًّا، بسبب اختلاف المواد الكيماويّة في السجائر الإلكترونيّة بشكل واسع. وبعض البلاد ـ كالنرويج، والبرازيل ـ حظرت هذه المنتجات، لكن السجائر الإلكترونيّة بالولايات المتّحدة تخضع للرقابة والتنظيم لدى تسويقها كوسائل مساعِدة للإقلاع عن التدخين. كما أعلنت المملكة المتّحدة أنها ستقننها كأدوية ـ أي ستخضع لمقاييس جودة صارمة ـ لكن الجهة المخولة بتنظيمها (وكالة تنظيم الدواء ومنتجات الرعاية الصحيّة) تنتظر حتّى إقرار القوانين الأوروبيّة الجديدة.

والقرارات الّتي سيتخذها المشرّعون لن تشكِّل مستقبل الصناعة فحسب، بل ستشكل استجابة دوائر الصحة العامّة أيضًا. كما أنّ العلماء ـ المؤيّد منهم والمعارض للسجائر الإلكترونيّة ـ يخوضون نقاشًا بخصوص هذا الأمر، بينما التشريع ما زال في الهواء.

يقول ستانتون جلانتز، الباحث في مكافحة التبغ بجامعة كاليفورنيا، بسان فرانسيسكو: «تمثل السجائر الإلكترونيّة الآن انتصارًا للتفكير بالتمني على البيانات والمعطيات». ويعتقد الباحث بوجوب تقنين هذه المنتجات، مُشيرًا إلى تقرير صدر مؤخرًا عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بأطلنطا، جورجيا، ذكر أن أطفالًا لم يدخنوا السجائر من قبل يستخدمون السجائر الإلكترونيّة، مما يجعل هذه الأجهزة بوابةً للتدخين. ولاحظ أن مسوحًا عديدة أوردت أنّ مستويات عالية من المدخنين يستخدمون السجائر العادية والسجائر الإلكترونيّة، مما يشير إلى استخدام هذه المنتجات لاستدامة إدمان النيكوتين. كذلك يُعدّ استخدام منكّهات البخار ـ كالفانيلّا ـ محاولة لإطالة استخدامها، واجتذاب المستهلكين الأصغر سنًّا.

وعلى النقيض، يرى علماء آخرون ـ مثل هيجَك ـ أن اعتبار السجائر الإلكترونيّة كأجهزة طبيّة سيكون كارثة. ويعتقد هيجك أن تكلفة الامتثال لقوانين الأجهزة الطبيّة قد يتيح لشركات التبغ الكبرى الهيمنة على صناعة السجائر الإلكترونيّة الناشئة؛ مما يُطيح بالمنتجات المبتكرة الجديدة.

يقول كريستوفر بولن، بالمعهد القومي لابتكارات الصحة التابع لجامعة أوكلاند، نيوزيلندا، موافقًا: «إن فرط التقنين الآن قد يهدِّد وجود السجائر الإلكترونيّة، بل ويقلل الخيارات أمام من يريدون الإقلاع عن التدخين». كان بولن المؤلف الرئيس لدراسة نُشرت في سبتمبر 2013 تُظهر أن السجائر الإلكترونيّة كانت لها فاعلية لصقات النيكوتين ذاتها في مساعدة المدخّنين على الإقلاع. (C. Bullen et al. Lancet http://doi.org/nq8; 2013).

يرى فوجان ريس ـ الباحث في التبغ بكلية الصحة العامّة بجامعة هارفارد ببوسطن، ماساتشوستس ـ أن السجائر الإلكترونيّة بحاجة إلى تحسين، قبل أن تحل محل السجائر التقليدية، وينبغي أن تقنَّن الآن كمنتجات التبغ. ومع أنها تقدِّم فرصة لتحسين الصحّة العامّة، يقترح ريس ضرورة أخذ الحيطة للتأكد من أنّها لا تزدهر جنبًا إلى جنب مع السجائر التقليديّة. «عند ذلك.. سنواجه مشكلة مزدوجة».