أخبار

تعثُّـر اكتشاف مصدر الفيروس التاجي

افتقاد الدّراسات المتعمِّقة يعوق الجهود الرامية إلى تحديد مصدر الفيروس.

ديكلان بَتْلَر
  • Published online:

<p>اكتشاف عدوى محتملة في الجِمَال بالفيروس التاجي، أو بفيروس وثيق الصلة به.</p>

اكتشاف عدوى محتملة في الجِمَال بالفيروس التاجي، أو بفيروس وثيق الصلة به.

Frank Krahmer/Getty


رغم مرور عام على اكتشاف أول حالات العدوى بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، أو الفيروس التاجي (MERS-CoV)، لم يجد العالَم سوى إجابات غير شافية للسؤال الأكثر إلحاحًا من منظور الصحة العامة: ما هو مصدر التدفق المستمر لحالات العدوى الجديدة؟ بهذه المعلومات فقط يمكن السيطرة على اندلاع الفيروس.

وحتى الآن، تأكدت 114 حالة عدوى بالفيروس التاجي، منها 54 حالة انتهت بالوفاة، والاشتباه في إصابة 34 حالة أخرى (انظر: «انتشار الفيروس»). يعود منشأ كافة الحالات إلى الجزيرة العربية، ومعظمها وقع بالمملكة العربية السعودية، ووقعت حالات أخرى بالأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة. وظهرت حالات عدوى وافدة من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وتونس. ويُعتقد أن الفيروس هو فيروس حيواني ابتداءً، قبل أن يقفز بشكل متقطع للبشر، ولم تظهر مؤشرات لإمكان انتقاله بسهولة بين البشر، رغم رصد انتشار عدوى محدود بين أشخاص على اتصال وثيق.

وافتقاد الدراسات الوبائية يعني أن مصدر الفيروس ما زال مجهولًا. يقول مايكل أوسترهولم، رئيس مركز جامعة منيسوتا لأبحاث وسياسات الأمراض المعدية، في منيابوليس: إن هذا «غير مقبول إطلاقًا». فالدول المتأثرة بهذا المرض تفتقد بشكل ما الإحساس بإلحاح الموقف. ويوافقه على هذا الرأي جين كلود مانوجيرا، رئيس مختبر الاستجابة العاجلة للتهديدات البيولوجية بمعهد باستير في باريس. يضيف مانوجيرا: «تميل هذه الدول إلى اعتبار الأمر مسألة سياديّة من اختصاص السلطات الوطنية، وليس الجهات الخارجيّة».

كبر الصورة


كان مانوجيرا أحد 13 خبيرًا دوليًّا دعتهم الحكومة السعودية ومنظمة الصحة العالميّة بجنيف، سويسرا، لزيارة السعودية في يونيو الماضي، كجزء من بعثة مشتركة لتقييم الوضع؛ وتقديم توصيات بالتدابير اللازمة للسيطرة على اندلاع الفيروس. يقارن مانوجيرا افتقاد التقدم في فهم وباء فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية باستجابة الصين السريعة والقوية عقب ظهور أول حالة عدوى بشرية بفيروس إنفلونزا الطيور H7N9 في مارس (انظر: Nature 496, 397; 2013)، فقد استطاعت الصين بسرعة تحديد أسواق الطيور الحيّة كسبيل رئيس لعدوى البشر، وتحركت بسرعة لإغلاقها.

ولتحديد مصدر العدوى، ينبغي استجواب المرضى بالتفصيل حول نشاطاتهم الأخيرة، إنْ كانوا قد زاروا أسواق الحيوانات أو المزارع، أو تناولوا أنواعًا من أطعمة معينة، لإيجاد أنماط وخيوط يمكن متابعتها، لكن بعثة المملكة العربية السعودية ومنظمة الصحة العالمية المشتركة خلصت إلى أن هذا العمل لم يُفصّل بقدر كاف لتحقيق المهمة.

وقالت البعثة المشتركة إنّ جهود البحث عن الفيروس في التجمعات الحيوانية ـ حيث يمكن غلق مسارات انتقال الفيروس للبشر ـ لم تكن كافية. ويُرجّح أن تكون الخفافيش هي المصدر الأصلي للفيروس: فالتتابعات الجينومية لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنافسية هي الأقرب لتتابعات الفيروسات التاجية الأخرى لدى الخفافيش. ومنذ هذا الاكتشاف، قامت المملكة العربية السعودية، مرتين، باستدعاء فريق خبراء بقيادة إيان لبكين، عالِم الفيروسات بجامعة كولومبيا في نيويورك؛ لإجراء تجربة على عيّنات من أنسجة الخفافيش وفضلاتها. ونشر الفريق نتائج تتابعات جزئية تبدو مطابِقةً لتتابعات فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية1 (انظرNature http://doi.org/ntk; 2013).

والاتصال المباشر بالخفافيش لا يفسر حالات عدوى البشر على الأغلب. ويشتبه العلماء في أن الفيروس أصاب بالعدوى حيوانات أخرى أوثق اتصالًا بالبشر. يقول بعض العلماء إنهم محتارون.. كيف لم تقم الدول المتأثرة بالفيروس بأخْذ عينات وإجراء اختبارات واسعة على الحيوانات؛ بحثًا عن الفيروس. يقول زياد مميش، نائب وزير الصحة السعودي، إن بلاده في انتظار نصائح حول الاختبارات من منظمة الأغذية والزراعة (فاو) بروما التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان بباريس.

يقول خوان لبروث ـ كبير مسؤولي البيطرة بالفاو ـ إنّ بعثة الخبراء الأولى لتقييم مصادر العدوى الحيوانية المحتملة غادرت مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأضاف أنه سيكون هناك بعثات أخرى، وتأمل الفاو بالعمل مع السلطات الوطنية لبدء الدّراسات الوبائيّة خلال أشهر.

وهناك دليل محيِّر على مصدر حيواني محتمَل للفيروس يظهر في دراستين على الجِمَال2،3. فقد وجدت الدراستان أجسامًا مضادّة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، أو لفيروس وثيق الصلة به في جِمال بلاد مجاورة للدول المتأثرة بالفيروس، وتشير إلى إصابة سابقة بالفيروس، لكنْ لم تَجِدْ أي من هاتين الدراستين فيروسات حيّة لدى الحيوانات.

 يقول مالك بَيريس، عالِم الفيروسات بجامعة هونج كونج، وأحد مؤلفي إحدى هاتين الدِّراستين: «قد يكون مثل هذا الفيروس شائع الانتشار، لكنه ـ بين حين وآخر ـ يمرّ بطفرات حاسمة، تتيح له قفزات محدودة عبر الأنواع من الوسيط المُضيف إلى البشر». كان هذا سيناريو حالة الفيروس التاجي الغريب «سارس» الذي ظهر في هونج كونج في أواخر 2002 وتطوّر ليصبح فيروسًا ينتشر بسهولة بين البشر، فاتكًا بحوالي 800 شخص قبل خموده في يوليو 2003.

ومع بدء موسم الحج السنوي، حيث شدّ الملايين الرحال إلى مكة المكرَّمة، بقيت السلطات السعودية في حالة تأهب قصوى لأي حالات يُشتبه فيها كعدوى بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، آملين جميعًا ـ دون شك ـ ألّا يكون هذا الفيروس هو «السارس» القادم.     


  1. Memish, Z. A. et al. Emerg. Infect. Dis. http://dx.doi.org/10.3201/eid1911.131172 (2013).

  2. Reusken, C. B. E. M. et al. Lancet Infect. Dis. http://dx.doi.org/10.1016/S1473-3099(13)70164-6 (2013).

  3. Perera, R. A. et al. Eurosurveillance 18(36), 2 (2013); available at http://go.nature.com/eLgHvc