موجزات مهنية
ما هو نمط شخصيتك؟
يساعد نمط الشخصية والاختبارات المهنية الباحثين على تنمية «مهاراتهم المعتدلة»؛ والحصول على الوظائف التي تلائمهم
- Nature (2012)
- doi:10.1038/nj7412-545a
- English article
- Published online:
يؤكد عالم الطبيعة ديفيد دين أنه كان (رجلاً نظريًّا في المقام الأول)، لا يعبأ إلا بأبحاثه، وذلك لدى التحاقه للعمل بمختبر أوك ريدج الوطني بولاية تينيسي عام 1995. وبعد عشر سنوات، وإثر توليه قيادة فريق أبحاث النظرية النووية، التحق دين بأحد البرامج الداخلية لتنمية القيادات، الذي تضمَّن اختبارات مكثفة لتحليل الشخصية، بهدف دفع المتدربين باتجاه التفكير في كفاءاتهم القيادية، والمهارات التي يحتاجون إلى إنمائها والتدرب عليها. وأوضحت هذه التدريبات ـ بالإضافة إلى الجلسات الخاصة التي كانت تًعقد لكل متدرب على حدة مع أحد علماء النفس وأحد المتخصصين في مجال التنمية البشرية، الذي كان يقوم بتحليل نتائج الإختبارات ـ لديفيد دين أنه يمتلك أحد الأساليب القيادية المهمة، الذي يُعرف بأسلوب (القيادة التعاونية)، إلا أن هذه التدريبات والجلسات قد بينت له في الوقت ذاته أنه، في بعض الأحيان، يكون بحاجة إلى أن يكون (قائدًا توجيهيًّا) بشكل أكبر، أي يتسم بمزيد من الحزم، وأن يكون أكثر ميلاً إلى إصدار قرارات تنفيذية.
والحقيقة أن ديفيد دين قد استفاد كثيرًا من معرفته بأساليب القيادة المحتلفة، والمواقف التي تتواءم مع كلٍ من هذه الأساليب عند توليه منصب المخطط الاستراتيجي بمكتب مدير مركز أبحاث «أوك ريدج»، ليصبح بعد ذلك كبير المستشارين العلميين لإدارة الطاقة الأمريكية؛ بل وبفضل هذه المعرفة وتلك الدراية استطاع «دين» أن يتبوأ مقعد رئيس قسم الفيزياء بالمركز في شهر يوليو من العام الماضي، حيث أبرزت الاختبارات والتدريبات المحتلفة ما يتمتع به من مهارات قيادية. وفي هذا السياق يقول دين: «يحتاج الإنسان إلى نمط معين من الشخصية لإنجاز هذه الأعمال».
ويلجأ العلماء في بدايات ومنتصف حياتهم المهنية إلى اختبارات تحليل الشخصية، بداية من مكاتب الاستشارات المهنية والتنمية البشرية، ووصولاً إلى ورشات العمل التدريبية بمعاهد الصحة الوطنية بالولايات المتحدة. وتقوم بعض اختبارات تحليل الشخصية، مثل مؤشر «مايرز- بريجز لتحديد نمط الشخصية Myers-Briggs Type Indicator»، بتقييم ميول بعض الأشخاص عند تَعامُلِهم بشكل معين في مواقف بعينها، وذلك من خلال التركيز على السمات الشخصية من شاكلة الانبساط (الانفتاح على الآخرين)، والقبول، (انظر «نموذج بنموذج»).
(مؤشر نموذج مايرز- بريجز) Mayers-Briggs Type Indicator
هو أحد نماذج الاختبارات التي تُستخدم على نطاق واسع. ويقوم هذا المؤشر بتقسيم الشخصيات إلى ستة عشر نموذجًا على أساس السمات الشخصية الخاصة، المتمثلة في الانبساط «الانفتاح» والانطواء، والحس والحدس، والتفكير والشعور»العاطفة»، وإصدار الأحكام «الحزم»، والتبصُّر «المرونة».
(نموذج «إن إي أو» لتحليل الشخصية) NEO Personality Inventory
يقوم على نموذج السمات الشخصية «الخمس الكبرى»، التي تشمل القلق العُصَابي، والانبساط، والانفتاح على التجربة، والقبول، والضمير الحي. ويُستخدم هذا النموذج عادةً في مجالات البحث النفسي.
(نموذج هوجان لتحليل الشخصية) Hogan Personality Inventory
يرتكز أيضًا على نموذج السمات الخمس الكبرى، ويتم تطبيقه عادة في مجالات التطور الوظيفي، والتعيينات الوظيفية.
(نموذج سترونج لتحليل الاهتمامات) Strong Interest Inventory
يعمد إلى إجراء عمليات تقييم للاهتمامات، وأساليب العمل، ومقارنتها باهتمامات الأفراد في عدة وظائف. وعادةً ما يتم تطبيق هذا النموذج على الطلاب الذين لم يتم تخرجهم، والذين يبحثون عن استشارات تتعلق باختيار المهنة.
C.L.
كذلك توضح عمليات التقييم مدى وكيفية تباين الأشخاص عن أقرانهم فيما يتعلق بأساليب التواصل، ونظرتهم إلى مكان العمل، والتفاعل مع زملائهم بالعمل، وتسوية النزاعات، إلى غير ذلك من الفروق الفردية. ويستطيع العلماء ـ من خلال هذه المعرفة ـ التحكم في سلوكياتهم وتصرفاتهم؛ لتجنب الوقوع في مزالق سوء التفاهم مع زملائهم بالعمل، ولتطوير أساليب التواصل ومهارات القيادة، والتدخل لحل النزاعات الشخصية، والعمل بروح الفريق بشكل أكثر سلاسة، بل والترقِّي في وظائفهم، مثلما فعل ديفيد دين. وفي هذا السياق، تؤكد شارون ميلجرام، مدير إدارة التدريب والتربية الجماعية التابعة لمعاهد الصحة الوطنية بمدينة بيثسدا، ميريلاند أن: «دراية الإنسان بنمط شخصيته يمده بالقدرة على معرفة نقاط القوة والضعف لديه، والإلمام بأفضل الطرق والأساليب لتنمية قدراته كعالِم وكعضو في فريق عمل، وكعضو في مجتمع، وفي أسرة».
السمات الشخصية المتكاملة
يؤكد جون لونسبري، أستاذ علم النفس بجامعة تينيسي، الذي قام بإجراء العديد من اختبارات تحليل الشخصية على العلماء بمركز أوك ريدج للأبحاث، أن تقييم مايرز- بريجز هو الأكثر استخدامًا بين اختبارات تحليل الشخصية من قِبَل العلماء وغيرهم من عامة الناس، إلا أن هذا النموذج، بحسب لونسبري وغيره من علماء النفس، يتسم ـ بوجه عام ـ بالبساطة المفرطة، فضلاً عن افتقاده لبعض السمات الشحصية المحورية، ووجود العديد من النماذج التقييمية التي تَفضُله. ومع ذلك، يبقى هذا النموذج هو الأكثر شيوعًا وانتشارًا، لسهولة فهمه وتمرس العديد على القيام به، فضلاً عن وجود العديد من الكتب والمواقع الإلكترونية التفسيرية التي توسع من دائرة التعرف عليه والإلمام به. ويعتمد هذا الاختبار في جوهره على تقييم الأشخاص من خلال ثماني صفات شخصية متباينة، مقسمة إلى أربع ثنائيات، بحيث يتم تصنيف الشحص بحسب ما إذا كان: منطويًا، أو منبسطًا؛ يتمتع بالاستشعار أو بالحدس؛ يميل إلى الاعتماد على التفكير أو الإحساس؛ يميل إلى إصدار الأحكام أو إلى التبصر والإدراك. وتسفر النتائج عادة عن ستة عشر نمطًا من الشخصيات، مثل الشخصية المنبسطة التي تعتمد على الحدس والتفكير وتميل إلى إصدار الأحكام، الأمر الذي يمكن الاعتماد عليه لتفسير تصورات الأشخاص لأوجه حياتهم المختلفة.
ولعل الفائدة الكبرى من تقييم مايرز- برجز، بحسب قول ميلجرام، تكمن في تعرف الممتحنين من خلاله على مدى الاختلاف فيما بينهم في نمط الشخصية والتصورات؛ وتضيف قائلة: «إن هذا التقييم يبرهن للكثيرين على صلاحية الحقيقة التي تفيد بأن الأشخاص الذين يختلفون فيما بينهم في أنماط شخصياتهم ومواقفهم وتصوراتهم، يمكنهم جميعًا - برغم هذا التباين ـ أن يثبتوا نجاحات في أعمالهم». وقد قامت الإدارة التي تترأسها ميلجرام بمعاهد الصحة الوطنية على مدى العامين الماضيين بإجراء برامج تدريب وتوجيه، تضمنت تقييم مايرزـ برجز، للطلاب والباحثين بعد درجة الدكتوراه والعلماء.
وقد أثبت محور «الحدس مقابل الاستشعار» في تقييم مايرزـ برجز أنه الأكثر مناسبةً للعلماء؛ فالأشخاص الذين يعتمدون على الاستشعار يميلون إلى التركيز على التفاصيل، ويتقدمون في عملهم تدريجيًّا، في حين يميل «الحدسيون» إلى التركيز على الصورة الكلية على حساب التفصيلات الدقيقة. وفي هذا السياق يؤكد بيل ليندستيدت، مدير إدارة التنمية المهنية بجامعة كاليفورنيا، بولاية سان فرانسيسكو، حيث يقوم بإجراء العديد من اختبارات تحليل الشخصية، من بينها تقييم مايرز- بريجز، على: «أن العلماء الجيدين ينبغي أن يتمتعوا بالقدرة على إدارة كلا العالَمَين» (انظر Interests before indicators). إن أحدًا لا يمكنه أن يغير من نمط شخصيته، سواء أكان بطبيعته استشعاريًّا، أم حدسيًّا، ولكن بالتفسير المناسب من شخص محنك ومتخصص، كعالم النفس، أو المستشار المهني، فإن تحليل الشخصية يمكن أن يقدم وسائل تُمَكِّن الأشخاص من تكييف وإدارة سلوكهم نحو مزيد من التفاهم والعمل المشترك مع آخرين يختلفون معهم في السمات الشخصية؛ فمثلا قد يحتاج الشخص المفكر الذي يصب جُلَّ تركيزه على الصورة الكلية إلى إعطاء مزيد من الاهتمام والعناية بالتفصيلات الخاصة بأي مشروع أو تجربة عند إعطائه توجيهات لشخص آخر يميل إلى إدراك التفاصيل والتركيز عليها. إن الناس، كما يؤكد ليندستيدت، بطبيعتهم قادرون على تعديل سلوكياتهم وتطوير مهاراتهم، أو الاستعانة بأشخاص يتساوقون معهم في أسلوب العمل، للتأكد من قدرة الفريق على التقدم في كلتا الحالتين.
تمثل قائمة الاهتمامات الوظيفية لدى العلماء الذين يسعون لتحديد المهنة المناسبة لهم، لا سيما في المراحل السنية المتقدمة، أهميةً كبرى، تفوق بمراحل نتائج الاختبارات الشخصية التي مروا بها، حيث تساعد هذه القائمة في تحديد الأنشطة التي يميل إليها الفرد، ويستمتع بممارستها، فضلاً عن تحديد الوظائف الأكثر ملاءمة له، من خلال وظائف يتقلدها آخرون، يحملون نفس الاهتمامات، ويتمتعون بذات الميول. ويتم إجراء أغلب الاختبارات الخاصة بتحديد هذه الاهتمامات بمكاتب الاستشارات المهنية أو التنمية البشرية، كما يمكن تحديدها من خلال الممارسات الخاصة. وعمومًا، فإن أغلب هذه الوسائل متاح عبر الإنترنت.
وينبغي على الباحثين عن الوظيفة الملائمة، لا سيما في المراحل الأولى من حياتهم، أن يأخذوا في اعتبارهم أن قوائم الاهتمامات بوجه عام تغطي مساحات كبيرة من الخريطة الوظائفية في مختلف المجالات، ولا يقتصر دورها على مجال العلوم فحسب. وللتعامل مع هذه المعضلة، قام بل ليندستيدث، رئيس قسم الوظائف بجامعة كاليفورنيا بولاية سان فرانسيسكو، بالاشتراك في تطوير تقييم وظيفي؛ لتطبيقه على الباحثين صغار السن من ذوي المستويات العلمية المتقدمة، والمتطلعين للحصول على وظائف علمية خارج الأوساط الأكاديمية. ويحتوي هذا التقييم الوظيفي على ورقة عمل تتضمن مطالبة الطلاب المتخرجين بتقييم مهاراتهم واهتماماتهم، إلى جانب أمور أخرى ذات دلالة لهم، لا تخلو منها دوائر العمل، وترتيبها من حيث الأولوية. وفي هذا الإطار، يحصل الطلاب على قائمة تتضمن ستين مهنة، تبدأ من مستشار سياسات علمية، وتنتهي بمفوض منح براءات اختراع، بالإضافة إلى بعض المعلومات عن هذه الوظائف. ويقوم الطلاب باختصار هذه القائمة، عن طريق استبعاد الوظائف التي لا تتناسب مع اهتماماتهم ومهاراتهم وميولهم.
وقد أثبت التدريب على هذا التقييم فعالية كبرى؛ حيث قالت ميليسا ونج، المتخرجة من قسم الفيروسات والمناعة بجامعة كاليفورنيا بولاية سان فرانسيسكو: «لقد ساعدتني هذه الورقة (ورقة العمل) على تحديد الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليَّ في بيئة العمل». وكانت ونج قد قامت بإجراء عمليات التقييم خلال هذا العام كجزء من برنامج تدريبي لإدارة الجامعة، لمساعدة الطلاب في التعرف على الوظائف العلمية خارج الدوائر الأكاديمية.
لقد كانت ونج على دراية تامة بأن الدوائر الأكاديمية لا تمثل بحالٍ من الأحوال البيئة الوظيفية الملائمة لها عند التحاقها بالبرنامج، إلا أنها كانت ترغب في البقاء بالقرب من المجال العلمي، وكانت تعتقد أن عليها إنجاز بحث مختبري لدى إحدى شركات التكنولوجيا الحيوية لهذا الغرض. وعند إتمامها ورقة التقييم الوظيفي، أدركت ونج أنها بحاجة إلى العمل الجماعي؛ ليكون مكوِّنًا أساسيًّا من مكونات عملها. وبعد اطلاع عميق في مجال صناعة التكنولوجيا الحيوية ومقابلة عديد من المتخصيين في هذا المجال والتحدث إليهم، صارت ونج تفكر جديًّا في الوظائف الخاصة بالشئون التنظيمية وتطوير الأعمال.
ومع نهاية البرنامج التدريبي، خاضت ونج اختبار الشخصية على نموذج مايرز- بريجز. لقد كان حرص ليندستيدت على حصول الطلاب على ورقة العمل الخاصة بالتقييم الوظيفي نابعًا من أسباب عدة، تأتي في مقدمتها الفرصةُ التي تمنحها هذه الورقة للتواصل بصورة مباشرة مع الاختيارات المهنية المتاحة بصورة تفوق الاختبارات على نموذج مايرزـ بريجز. يقول ليندستيدت: «إن مهاراتي وميولي واهتماماتي تستطيع أن تحدد مسارًا مهنيًّا معينًا بصورة أكثر جلاءً من نموذج مايرزـ بريجز». ويضيف ليندستيدت: «إن نموذج مايرزـ بريجز يكون أكثر نفعًا وفعالية للأشخاص حال حصولهم بالفعل على وظيفة، وذلك لتحديد نقاط القوة والمساحات المجهولة المحتملة التي قد تتبدَّى من حين إلى آخر أثناء السير على طريق النجاح».
C.L.
في الداخل والخارج
وهناك ثنائية أخرى من الصفات التي تتمتع بأهمية كبرى داخل المعامل، لا سيما في الاجتماعات، هي ثنائية الانطواء مقابل الانبساط؛ فالأشخاص المنبسطون، على سبيل المثال، يميلون إلى لتحدث بصوت مرتفع أثناء عملية التفكير، بينما يميل الانطوائيون إلى صياغة أفكارهم قبل الجهر بها. وفي هذا السياق تقول ميلجرام إنها ـ على المستوى الشخصي ـ تسعى جاهدة لتعديل طبيعتها الانبساطية بأن تكون أقل تكلُّمًا، وربما ثرثرةً، أثناء الاجتماعات؛ لتمنح الفرصةَ للأشخاص الانطوائيين لصياغة أفكارهم قبل التعبير عنها والجهر بها.
ومن ناحيتها، أبدتْ ميليسا ونج، المتخرجة من قسم الفيروسات والمناعة بجامعة كاليفورنيا بسان فرانسسيسكو، التي أخذت تقييم مايرزـ بريجز كجزء من برنامج تدريبي للتعرف على الوظائف العلمية غير الأكاديمية، دهشةً كبرى إزاء سوء التفاهم الذي يمكن أن ينجم عن الاختلاف بين الشخصية المنطوية والشخصية المنبسطة داخل المختبر؛ فعلى سبيل المثال، قد يعتقد المنبسطون أن الآخرين من ذوي الشخصيات المنطوية لا يتمتعون بالذكاء الكافي الذي يؤهلهم للحديث بطلاقة؛ بينما يَتَوَهّم الانطوائيون، على الجانب الآخر، أن الآخرين من ذوي الشخصيات المنبسطة يتحدثون دائمًا دون خلفية معرفية. وفي هذا الصدد تذكر ونج: «لقد عملت مع كلا النمطين، وأعتقد أن هناك قدرًا غير قليل من سوء التفاهم يقع دائمًا بينهما».
أما بيكا ستولوف، التي تخرجت من قسم علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي، فتفكر حاليًا في امتهان التدريس، وتذكر أن تقييم مايرز- بريجز قد برهن لها، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تتمتع بصفات شخصية تؤهلها بشكل كبير لهذه المهنة. وسوف تقوم ستولوف خلال هذا الخريف بتدريس مادة الرياضيات بإحدى المدارس الخاصة على مدى فصل دراسي كامل، كخطوة على طريق التعرف على هذه المهنة وسبر أغوارها.
والحقيقة أن بعض العلماء وبعض المختبرات يعكفون الآن على استخدام نموذج مايرز- بريجز خارج إطار البرامج التدريبية. وتؤكد ميلجرام أن الباحثين بعد درجة الدكتوراه، والطلاب بمعاهد الصحة الوطنية، التابعة لجامعة بيثسدا يطالبون الآن بورشات عمل؛ للتدرب على نموذج مايرزـ بريجز. وقد قام جميع الطلاب في أحد مختبرات علم الأحياء التطوري بجامعة ميسوري بكولومبيا بتطبيق هذا النموذج، ووضع ملصق بأنماط شخصياتهم، المكونة من أربع صفات من الثنائيات الأربع، وقليل من الكلمات التوصيفية بجوار الباب. وتقول دون كورنليسون، مدير المعمل، أنها استخدمت هذا الاختبار في البداية كجزء من معسكر إدارة المختبر على أعضاء الكلية الجدد، القادمين من الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء التطوري ببيثسدا؛ وقد أبدى الطلاب اهتمامًا ملحوظًا بمجرد أن أخبرتهم كورنليسون بهذا الاختبار، وخاضوه، بل وطلبوا من الطلاب الملتحقين بالمختبر أن يخوضونه مثلهم. لقد أضحى هذا التقييم جزءًا أصيلاً من ثقافة مختبر كورنليسون؛ بل صار الأمر، بحسب قول كورنليسون «أشبه بمباراة في معرفة الآخر»، حيث أذاب الجليد، وساعد الطلاب الجدد على الاندماج سريعًا في أجواء المختبر.
تحذير إرشادي
عادةً ما يبادر الأشخاص الذين يجرون عمليات التقييم بالتأكيد على أن هذه التقييمات ليست قطعية أو إلزامية؛ فالنتائج لا ينبغي استخدامها لتصنيف شخص ما ضمن طائفة بعينها، أو لإحاطته بنوع الوظيفة التي يتوجب عليه تقلدها، أو إذا كان بإمكانه النجاح فيها. إن هذه العمليات التقييمية من شأنها فقط أن تبصر بنمط شخصية الممتَحن، بحيث لا يتجاوز ذلك أن يكون معلومة واحدة يمكن استخدامها ضمن دليل إرشادي موسع، وخريطة تطور مهني متكاملة. وفي هذا السياق تقول ليندستيدت: «إن نتائج مايرز- بريجز تمدّنا فقط بنافذة واحدة يمكن من خلالها أن يبصرُ المرءُ كافة إمكاناته».
وتؤكد ميلجرام أن العلم لا يعرف نمطًا صحيحًا، أو نمطًا خاطئًا للشخصية؛ فليس ثمة شخص بحاجة إلى تغيير نمط شخصيته ليكون ناجحًا؛ فالأمر برمته، بحسب قول ميلجرام «لا يتجاوز كيفية إدارة الشخص لسلوكه».