أخبار

دراسـة على الجـرذان تثيـر ضجة حول المـواد المعدلة وراثيًّا

ادِّعاءات حول تَسبُّب نبات الذرة المعدل وراثيًّا والمقاوِم لمبيدات الأعشاب في الإصابة بالسرطان.

ديكلان بتلر
  • Published online:

ذكرت التقارير الأخيرة أن الأورام ظهرت بسرعة أكثر في الجرذان التي أُطعمت ذرة معدلة، مقارنة بجرذان العينة الحاكمة.

ذكرت التقارير الأخيرة أن الأورام ظهرت بسرعة أكثر في الجرذان التي أُطعمت ذرة معدلة، مقارنة بجرذان العينة الحاكمة.

Image from the film All of us guinea-pigs now? J.-P. Jaud/J+B Séquences

لم تكن أوروبا أبدًا ميَّالة إلى الأطعمة المعدلة وراثيًّا، لكن ما زاد الأمر سوءًا، وأسهم في تزايد المعارضة الشعبية والسياسية، مقالة علمية صاعقة نُشرت في 20 سبتمبر 2012، على الرغم من تشكيك العلماء في النتائج التي توصلت لها.

نُشرت الدراسة1 في مجلة «الغذاء وعلم السموم الكيميائي»، المُحَكَّمة من قِبَل الخبراء. وبحثت الدراسة عن الأعراض العكسية في الجرذان التي تمت تغذيتها بالذرة NK603، المطورة من قِبَل شركة التقنية الحيوية «مونساناتو»؛ لتقاوم المبيدَ الحشري جليفوسات. وقد تمت الموافقة على أنها صالحة للاستهلاك البشري والحيواني في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، ودول أخرى. وذكرت الدراسة أن معدل الإصابة بالسرطان بين هذه الجرذان أصبح عاليًا، وأنها أصيبت بأورام سرطانية ضخمة، وماتت أسرع من جرذان العينة الحاكمة، إلا أن الباحثين لم يتمكنوا من تحديد آلية هذا التأثير.

وتمت مراقبة الجرذان لمدة سنتين (ما يعادل دورتها الحياتية الكاملة تقريبًا). وكانت هذه أول دراسة طويلة الأمد للذرة المحتوية على هذه الجينات تحديدًا. وثمة حوالي اثنتا عشرة دراسة سابقة طويلة الأمد عن محاصيل مختلفة معدلة وراثيًّا، لكنها فشلت في التوصل إلى مثل هذه النتائج القاسية بخصوص تأثيرها على الصحة2. وقد أُجري اختبار سابق للذرة NK603، حيث أُطعِمَت بها الجرذان لمدة تسعين يوماً، وهي المدة التي تنص عليها الشروط الحالية؛ ولم يُظهر هذا الاختبار آثارًا عكسية3.

أحدثت نتائج الدراسة ضجة إعلامية كبيرة؛ ألهبت مُعارِضِي الأغذية المعدلة وراثيًّا، خاصة في أوروبا. وعلى أثر ذلك.. صرَّح رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك أولان بأنه لو ثبتت صحة هذه النتائج؛ فإن الحكومة ستعمل على حظر الذرة في أوروبا كلها. كما طلبت المفوضية الأوروبية من الوكالة الأوروبية لسلامة الغذاء EFSA المستقلة في بارما بإيطاليا أن تقيّم هذه الدراسة.

ورغم كل هذه الضجة، فإن الكثير من العلماء يشككون في منهجية ونتائج هذه الدراسة.. فهم يؤكدون أن المعطيات المقدّمَة في الورقة البحثية لا تسمح بتقييم مستقل لما تدّعي أنها توصلت إليه، كما أنهم يشككون في التصميم التجريبي للدراسة، وتحليلها الإحصائي لأي فروق بين المجموعات الحاكمة، وتلك المعالجَة. وذكر علماء آخرون أن فصيلة جرذان سبراج داولي ـ المستخدمة في الدراسة ـ معروفة بأنها ذات قابلية للإصابة العفوية بالأورام، خاصة عندما تتقدم في العمر؛ مما يجعل من الصعب تفسير النتائج. كما صرّحت «مونساناتو» نفسها بأن «الدراسة لا تستوفي أدنى المعايير المقبولة لهذا النوع من البحث العلمي».

تكلفت الدراسة 3.2 مليون يورو (4.1 مليون دولار أمريكي)، وترأّسها جيل إيريك سيراليني، عالِم أحياء جزيئية في جامعة كان بفرنسا، بالتعاون مع «لجنة البحوث والمعلومات المستقلة حول الهندسة الوراثية» CRIIGEN بباريس، حيث يرأس مجلسها العلمي. وتُقّدِّم CRIIGEN نفسها على أنها «منظمة علمية غير ربحية، ذات خبرة علمية مقابلة لدراسة الكائنات المعدلة وراثيًّا، والمبيدات، وتأثير الملوِّثات على الصحة والبيئة، وتطوير بدائل غير ملوِّثَة». ويترافق نشر المقال مع إصدار سيراليني لكتابه في أواخر سبتمبر الماضي، بعنوان: (هل صرنا جميعا الآن فئران تجارب؟) وهو يحكي قصة مشروع البحث، ويصاحبه فيلم، وبرنامج وثائقي تلفزيوني.

وقد تَوَجَّه كلٌ من سيراليني، وجويل سبيرو ديفاندام - رئيس CRIIGEN، والمؤلف المساعد في الورقة البحثية - برد مكتوب على أسئلة «نيتشر»، قائلَيْن بأنهما فوجئا (بعنف) ونقد العلماء الفوري. كما أوضحا بأن معظم النقاد ليسوا أخصائيّي سموم، وأنّ لدى بعضهم مصالح تنافسية، بما في ذلك العمل على تطوير محاصيل معدلة وراثياً. كما أنهما بيّنا بعض الأخطاء التي ارتكبها النقاد، مثل الادِّعاءات بأن الرسوم البيانية في الورقة البحثية ـ التي تمثل معدل نجاة الجرذان على مر الوقت ـ لا تتضمن معطيات عن جرذان العينة الحاكمة.

ولقد أقرّ المؤلفان أن فصيلة جرذان سبراج داولي قد لا تكون النموذج الأنسب لمثل هذه الدراسات طويلة الأمد، لكن الفرق بين الجرذان التي تتغذى على NK603، وجرذان العينة الحاكمة محدد، وأن عددا أقل كثيرا من جرذان العينة الحاكمة هي التي أصيبت بالأورام في منتصف العمر. وأضافا أن التجربة التي قامت بها «مونساناتو» لمدة تسعين يومًا على ذرة NK603 واعتُمدت لترخيصها، استعملت بدورها جرذان سبراج داولي.

يقول خوسيه دومينجو ـ وهو أخصائي سموم في جامعة روفيراي إي فيرجيلي في ريوس بإسبانيا، ومدير تحرير مجلة «الغذاء وعلم السموم الكيميائي» ـ إن الدراسة لم تقرع أي نواقيس خطر خلال تحكيمها علميًّا. وقد قام دومينجو العام الماضي بتأليف مراجعة نقدية مهمة لتقييم سلامة النباتات4 المعدلة وراثيًّا، وكان قد اشتكى سابقًا من نقص الدراسات المستقلة التي تبحث في التغذية بالأطعمة المعدلة وراثيًّا.

ومن المرجح أن تهدأ الزوبعة المثارة حول نتائج الدراسة، بعد أن يتم تحليل الورقة البحثية ومعطياتها بشكل مفصل، وبعد أن تتم محاكاة التجربة، لكن سيراليني يقول إنه لن ينشر معطياته، ما لم يتم نشر علني لمعطيات التجربة التي تم بها ترخيص الذرة NK603 في أوروبا، كما يريد أن تقوم لجنة دولية مستقلة بتقييم كل المعطيات، دون تدخُّل من أيٍّ من العلماء الذين كان لهم دور في ترخيصها. ولم توافق على هذا كاثرين جيزلين لانيه - رئيس الوكالة الأوروبية لسلامة الغذاء EFSA- وتقول إن منظمتها مرموقة بما يكفي لأنْ تشكِّل مجموعة متعدّدة الاختصاصات، قادرة على القيام بتقييم حياديّ.

ومنذ زمن طويل شكَّك بعض العلماء بمدى ملاءمة دراسات التغذية هذه لتقييم سلامة كل الأغذية، وذلك وفقاً لما يقوله بيتر كيرن - رئيس سلامة الأغذية والسلامة النانوية والحوادث الكيماوية في «منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي» في باريس. وهذه الدراسات صُمِّمت لاختبار مواد كيماوية في سياق يتم فيه تقديم جرعات محددة من مركبات ذات صفات محددة، تمَّت تنقيتها. أما المركبات الموجودة في الأطعمة، فهي غير متجانسة، ومن الصعب التحكم بالجرعات فيها. وتعتمد هيئات التنظيم والشروط على اختبارات أكثر صرامة، تقارن بين الخصائص الغذائية والسمية للأطعمة المعدلة وراثيًّا، وبين نظيراتها غير المعدلة وراثيًّا؛ للبحث والكشف عن أي مخاوف محتملة. ويضيف كيرن قائلاً إن العلم الدقيق والصارم هو فقط الكفيل بحل الخلاف حول سلامة الأطعمة المعدلة وراثيًّا، وسيزيل عنها اللبس والغموض.

  1. Séralini, G.-E. et al. Food Chem. Toxicol. http://dx.doi.org/10.1016/j.fct.2012.08.005 (2012)
  2. Snell, C. et al. Food Chem. Toxicol. 50, 1134–1148 (2012).
  3. Hammond, B., Dudek, R., Lemen, J. & Nemeth, M. Food Chem. Toxicol. 42, 1003–1014 (2004).
  4. Domingo, J. L. & Giné Bordonaba, J. Environ. Int. 37, 734–742 (2011)