أخبار

الجمعية الكيميائية تحاول إعاقة منافس تجاري

حكم قضائي يثير انزعاجًا في أوساط بعض أعضاء الجمعية الكيميائية الأمريكية.

يوجيني صامويل ريتش
  • Published online:

تضم خدمة الملخصات الكيميائية بيانات عن ملايين من المركبات الكيميائية، كمُناظِر تخيلي لمكتبات الجزيئات الموجودة في المعامل الصناعية (الصورة).

تضم خدمة الملخصات الكيميائية بيانات عن ملايين من المركبات الكيميائية، كمُناظِر تخيلي لمكتبات الجزيئات الموجودة في المعامل الصناعية (الصورة).

R. GABALDA/AFP/GETTY

حاولت أكبر جمعية علمية في العالم ـ وبشكل غير مشروع ـ إعاقة شركة صغيرة ناشئة من منافستها على أكثر منتجاتها العلمية ربحية فى مجال المعلومات. وكان هذا الأمر هو ختام عشر سنوات من الصراع القضائي، الذي ترك الجمعية الكيميائية الأمريكية (ACS) تواجه عقوبة بغرامات تصل إلى ملايين الدولارات، وأسئلة حادة من بعض أعضائها عما إذا كان هناك تعارض بين الممارسات التجارية للجمعية، وبين مهمتها في تطوير وتقدم علوم الكيمياء.

أصدرت المحكمة الدستورية العليا في ولاية أوهايو في 18 سبتمبر حكما بخصوص بقرة المال الحلوب للجمعية الأمريكية الكيميائية، المسماة بخدمة الملخصات الكيميائية (CAS)، التي توفر قاعدة بيانات تضم 68 مليون مركب كيميائي، لا يستطيع كثير من الكيميائيين حول العالم الاستغناء عنها. ويكفي أن يدخل الباحث اسم مركب كيميائي ما، أو رسمه التركيبي؛ ليحصل على كميات هائلة من المعلومات عن خواص ذلك المركب، أو قائمة بالمقالات الأكاديمية التي تشير إليه. وبناءً على مستندات المحكمة في هذه القضية، تشكل خدمة الملخصات الكيميائية حوالي 90% من الدخل الإجمالي للجمعية الكيميائية الأمريكية، الذي يقدر بنحو 300 مليون دولار سنويًّا، في حين أن اشتراكات الأعضاء تحقق حوالي 12 مليون دولار فقط. وتعيد هذه الجمعية – وهي منظمة غير هادفة إلى الربح، ومركزها العاصمة واشنطن - توظيف أموالها في عمل برامج تعليمية ولقاءات أكاديمية في الكيمياء، وكذلك في تطوير وتحسين موارد المعلومات الكيميائية.

قامت الجمعية في عام 2002 بمقاضاة شركة «ليدوسكوب»؛ وهي شركة تجارية متخصصة في المعلوماتية الكيميائية، ويقع مقرها في مدينة كولومبس بولاية أوهايو. ادَّعَت الجمعية أن تلك الشركة قد تعدت على حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها بحصولها علي براءة اختراع لبرمجية تُظْهِر الارتباط بين الخصائص التركيبية للمركبات الكيميائية، وخصائصها البيولوجية والفيزيائية. وحاولت الجمعية أن تبرهن على أن برمجية شركة «ليدوسكوب» مستمدة من مشروع متوقف، يدعى (باثفايندر PathFinder)، كان اثنان من أصل ثلاثة مؤسسين للشركة يعملان به إبان توظيفهم من قِبَل الجمعية في التسعينات، وكان مركز ذلك المشروع بأوهايو أيضًا. وقضت كلٌّ من المحكمة الابتدائية، ومحكمة الاستئناف في ولاية أوهايو برفض دعوى الجمعية الكيميائية الأمريكية، إلا أن الجمعية طالبت بأن تُعرض القضية للمراجعة على المحكمة الدستورية العليا للولاية، التي لم تقض فقط برفض الدعوى، بل أيدت أيضًا دعوى مضادة من شركة «ليدوسكوب» بأن الجمعية لجأت إلى التقاضي بلا حجة، بهدف سحق منافس تجاري. ويعني ذلك الحكم أنه قد تتحمل الجمعية الكيميائية الأمريكية دفع تعويضات، تُقدر بنحو 11.5 مليون دولار، وهو المبلغ ذاته الذي كانت قد أقرته من قبل المحكمتان الابتدائية في عام 2008، ومحكمة الاستئناف في عام2010، إلا أن المحكمة الدستورية أعفت الجمعية من دفع مبلغ إضافي قدره 15 مليون دولار، حيث برأتها من تهمة التشهير بشركة «ليدوسكوب»، علمًا بأن ذلك المبلغ كان قد أقرته المحكمتان الابتدائية، والاستئنافية.

كبر الصورة

SOURCE: ACS

ورأت المحكمة الدستورية أنه بالرغم من أن الجمعية الكيميائية الأمريكية قد أدلت علنًا بتصريحات غير صحيحة عن انتهاك شركة «ليدوسكوب» لحقوق الملكية الفكرية، إلا أن نفس تلك الادعاءات مذكورة في وثائق المحكمة، التي من مصلحة الجمهور المشروعة الاطلاع عليها.

امتنع كلٌ من محامِيّ الجمعية الكيميائية الأمريكية، وشركة «ليدوسكوب»عن إجراء مقابلات بهذا الشان، حتى تنفذ المحكمة الابتدائية ـ الكائنة في مقاطعة فرانكلين بولاية أوهايو ـ حكم المحكمة الدستورية العليا. وكانت الجمعية قد أعلنت في وقت سابق أن التأمين القانوني لها سوف يغطي تكلفة تلك التعويضات، إما كليًّا، أو جزئيًّا. وفي رد فعلها على حكم المحكمة الدستورية العليا، أعلنت الجمعية أن الحكم الصادر لن يكون له أي تاثير على اشتراكات الأعضاء، أو منتجات الجمعية، أو برامجها، أو خدماتها، أو مستويات العمالة، أو قدرة الجمعية على إنجاز مهامّها، إلا أن تلك التصريحات لم تقنع بعض أعضاء الجمعية، البالغ عددهم زهاء 164 ألف عضو من الكيميائيين العاملين في المؤسسات الأكاديمية، والصناعية، والحكومية. وقد صرح ستيفن باتشراك ـ وهو كيميائي يعمل في جامعة ترينتي في مدينة سان أنتونيو بولاية تكساس، وعضو بالجمعية، ومتابع للقضية ـ قائلاً: «إنني مقتنع تمامًا بأن تلك القضية قد أضرت بالجمعية، ليس فقط ماليًّا، ولكن أدبيًّا أيضًا». وأضاف قائلاً: «إنني منزعج من موقف الجمعية في إصرارها على السعي بقوة وراء تلك القضية، برغم خسارتها مرتين».

وقال ريتشارد أبوداكا، وهو عضو بالجمعية، ومؤسس لشركة برمجيات كيميائية تدعى «ميتا موليكيولار metamolecualr» في مدينة لاجولا بولاية كاليفورنيا: «أشعر كرجل صناعة برمجيات بتعاطف مع «ليدوسكوب»، كما شعرت بالخجل لكوني عضوًا في جمعية تقوم بتلك الأشياء». كانت وثائق المحكمة قد أفادت أن شركة «ليدوسكوب» قد خسرت في عام 2002 صفقة تمويل مهمة، بسبب الملاحقات القضائية لها من قِبَل الجمعية الكيميائية الأمريكية، التي أثارت مخاوف المستثمرين، وأن ما حصلت عليه الشركة بعد ذلك من صفقات تمويل كان يتم دائمًا وفق شروط غير مناسبة للشركة. وأضاف أبوداكا قائلاً إن الجمعية لها الحق - كغيرها من المؤسسات - في ملاحقة منافسيها قضائيًّا عندما ترى أنه تم السطو على منتجاتها، وهذا أمر يزداد شيوعًا بين شركات البرمجيات الكبرى. وفي هذه القضية، رأت المحكمة أن الجمعية الكيميائية الأمريكية لم يكن لديها دليل على أن شركة «ليدوسكوب» قد نسخت شفرة المصدر من أي من برمجيات الجمعية، بل وشهد الخبراء من الجمعية ومن شركة «ليدوسكوب» ـ بعد فحص شفرات المصادر سطرًا سطرًا ـ أن برمجية «ليدوسكوب» لا علاقة لها ببرمجيات مشروع باثفايندر PathFinder. وقالت المحكمة الدستورية العليا في حكمها إنه بالرغم من أن منتج كل من «ليدوسكوب»، و»باثفيندر PathFinder» يقوم بنفس الوظيفة، إلا أنه لا يمكن اعتبار أن فكرة تطوير تلك الأداة هي في حد ذاتها سر تجاري خاص بالجمعية الكيميائية الأمريكية.

أكَّدَ حُكْم المحكمة ـ الذي جاء في صالح شركة «ليدوسكوب» ـ ما قام به المحامي ورجل الأعمال روبرت ماسي، رئيس الجمعية الكيميائية الأمريكية منذ عام 1992. وأشارت المحكمة إلى دلائل تُبين أن روبرت ماسي كان يراقب شركة «ليدوسكوب» عن كثب، وكان يعلم بوضعها المالي المتدهور. كما أشارت دلائل أخرى إلى قيام ماسي بالاتصال بمكتب محافظ ولاية أوهايو؛ لإثنائه عن زيارة شركة «ليدوسكوب»، وإلى أن مدير تكنولوجيا المعلومات في الجمعية وقتها كان قد أخبر ماسي أنه ـ ببساطة ـ لا يعرف ما إذا كانت برمجية «ليدوسكوب» تمثل انتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية للجمعية، أم لا. لم يرُدّ ماسي على رسالة أُرسلت إليه بالبريد الإلكتروني من مجلة «نيتشر» للفت انتباهه لما ورد في حكم المحكمة وطلبت تعليقا منه.

وتُعتبر القضية بين الجمعية الأمريكية للكيمياء، وشركة «ليدوسكوب» أحدث مثال لمحاولات الجمعية حماية حقوقها وممتلكاتها الفكرية. ففي عام 2005، اتهمت الجمعية المعاهد القومية الأمريكية للصحة بالمنافسة غير المشروعة، بسبب ريادتها في إنشاء قاعدة بيانات تسمي (بَب كيم PubChem)، تقوم بربط المركبات الكيميائية بوظائفها البيولوجية، لكن لم يصل ذلك الخلاف إلى قاعات المحاكم. وفي عام 2004 قامت الجمعية بمقاضة شركة «جوجل Google»، مدعيةً أن الاسم (وليس المحتوى) لخدمة بحث جوجل عن العلم والعلماء المجانية يمثل تعديًا على الماركة التجارية للبرمجية سايفايندر سكولار SciFinder Scholar، المسجلة باسم الجمعية. وقد تم حل ذلك النزاع وديًّا خارج قاعات المحكمة، وبترتيبات سرية في 2006.

ويعتقد دونالد لويس، محامي براءات اختراع في مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا، وعضو شعبة الكيمياء والقانون بالجمعية الكيميائية الأمريكية، أن الملاحقة القضائية لشركة ليدوسكوب من قِبَل الجمعية يتعارض مع هدف الجمعية في تطويرعلم الكيمياء، ذلك الهدف الذي ينبني عليه وضع الجمعية ككيان غير هادف إلى الربح، ومُعْفَى من الضرائب. ويشير لويس إلى أنه يمكن القول بأن شركة «ليدوسكوب» ـ من خلال تطوير برمجيات في المعلوماتية الكيميائية تخدم الباحثين ـ قد أسهمت في خدمة علم الكيمياء، ولو بجزء ضئيل. ويضيف قائلا: «تشكِّل قضية شركة «ليدوسكوب» ـ من وجهة نظري ـ موقفًا واضحًا، جاءت فيه المصلحة التجارية ـ المستهدفة من الإدارة المهنية للجمعية ـ على حساب النهوض بعلوم الكيمياء. إنَّ الروح التى قامت من أجلها الجمعية تثير إعجابي كثيرًا»

وقالت مادلين جاكوبس، الرئيس التنفيذي للجمعية في رسالة بالبريد الإلكتروني لمجلة نيتشر: «إن هذا الرأي ـ من وجهة نظري ـ لا يعبر بموضوعية عن أعضاء الجمعية». وبرغم رفضها التعليق على حكم المحكمة الأخير، إلا أنها شددت على أن الجمعية تنفق إيراداتها من أجل الوفاء بمهمتها في تأهيل أفضل للكيميائيين، وتقديم المعرفة العلمية للعامة، وتوفير «أكثر المعلومات الكيميائية دقة ووثوقًا وعمقًا في العالم».