أخبار
أدويــــة ألزهـايمـــر تـتـخــذ مسارا جديدا
تتركز الآمال مؤخرا على اختبارات سريرية لإجهاض مسار المرض بعد الإخفاقات الأخيرة.
- Nature (2012)
- doi:10.1038/489013a
- English article
- Published online:
بعد صيف مشوب بنتائج مُخيّبة لتجارب سريرية على مرضى ألزهايمر، أعاد مُطوّرو الأدوية حشد جهودهم لرسم مسار جديد للمعركة ضد هذا المرض المدمّر.
تتراكم لويحات «أميلويد» Amyloid في أدمغة المُصابين بألزهايمر (إلى اليسار)، وليس في الأدمغة غير المُصابة (إلى اليمين).
كبر الصورةPASIEKA/SPLI
ابتدأت الأخبار السيئة في يوليو وأغسطس، عندما علمت شركات «فايزر» و«جونسن أند جونسون» أن عقارهما البيولوجي «بابنيوزوماب» bapineuzumab، أخفق في إظهار أية فائدة علاجية في تجربتين واسعتي النطاق. ثم، في 24 أغسطس، أوردت شركة «إيلي ليلي» أن دواءها «سولينزوماب» solanezumab، لم يحقّق مبتغاه في إبطاء معتبر لتدهور الذاكرة والخرف المُمَيّزين لمرض ألزهايمر. وفشل العقاران كلاهما في استهداف «أميلويد-بيتا» amyloid-ß، وهو بروتين يعمل على تكوين لويحات في أدمغة المُصابين بهذا المرض، ولطالما نُظُر إليها كمسبب رئيس مشتبه به. وبدلاً من التخلي عن فرضية صفائح «أميلويد»، يعقد العلماء آمالهم على تصاميم مبتكرة لتجارب سريرية جديدة، وطُرُق تشخيص جديدة؛ ربما تتيح لهم اختبار مركّبات بمراحل مبكرة من الإصابة، وقياس أسرع لفعّاليتها.
لكن، يخشى كثيرون أن المستثمرين القلقين من إنفاق مئات ملايين الدولارات على تجارب سريرية فاشلة، سيتردّدون في دعم استمرار البحث عن علاجات فعّالة لألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف، يُقدّر أنها تصيب 36 مليون شخصٍ عالمياً. يقول حسين منجي رئيس الدائرة العلاجية العالمية لعلم الأعصاب بشركة «جونسن أند جونسن» في نيوبونزويك بولاية نيوجرسي: «الأموال ليست وفيرة»؛ «لكننا مازلنا محافظين جداً على التزامنا. نعتقد أن هذا المرض (ألزهايمر) مشكلة مجتمعية كبرى تتطلّب المعالجة».
يُعتقد أن لويحات «أميلويد-بيتا» تُسبّب ألزهايمر من حيث أنها تقتل الخلايا العصبية، وتقطع اتصالاتها بنظيراتها المجاورة. لكن، لا تتوافر سوى أدلة ظرفية (قرائن) عن ذلك. وقد أظهر تشريح المرضى المتوفين أن أعداد اللويحات تكون أكبر في حالات المرض أشد حدة. كذلك، بدا أن لطفرات الجينات المسؤولة عن «إميلويد-بيتا»، تأثير يزيد احتمال الإصابة بألزهايمر، أو يعزز الوقاية منه. وحتى الآن، وبرغم ما أنفق من أموال على أدوية استهداف لويحات أميلويد، «ينبغي إما تأكيد فرضية دور لويحات الأميلويد كمسبب للمرض أو دحضها»، بحسب قول بول أيسن، عالم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، بسان دييجو.
تبدو النتائج الأولى عن دواء «سولينزوماب» التي أعلنت عنه «إيلي ليلي»، ومقرّها إنديانابوليس، بولاية إنديانا، كأنها تصبّ لصالح فرضية دور «أميلويد» في الإصابة بالمرض. إذ قُصِد من الدواء التعرف على لويحات «أميلويد-بيتا» واعتراضها قبل أن تتكون. في المقابل، فشل «سولينزوماب» في تحقيق هدفها الرئيس: إبطاء تدهور الذاكرة وغيرها من المناحي الإدراكية، وكذلك بالنسبة للقدرة على أداء أعمال مثل الأكل أو العناية الشخصية، لدى المرضى الذين يعانون نوعاً شديداً أو متوسطاً من ألزهايمر.
لكن تحليلات أخرى تقترح أن الدواء نجح في إبطاء التدهور الإدراكي في حالات مرضِيّة أقل حدّة. لكن، لم تُنشر أي معلومات أو بيانات عن مدى التحسّن، لذا يبقى من غير الواضح إن كان التحسّن كافياً لإحداث فارق فعلي في حياة المرضى.
من جانبه، يقول إريك سيمرز، المدير الطبي لفريق ألزهايمر بشركة «إيلي ليلي»: «من ناحية علمية محضة، سُرّرنا بالنتائج». متابعا: «إنها أول معطيات وبيانات عن تجربة سريرية، تبدو مؤيّدة لفرضية دور «أميلويد» كمسبب للمرض. وسيرى المستثمرون والعلماء صورة أوضح خلال هذا الخريف، عندما تقدّم معطيات وبيانات أكثر في المؤتمرات عن تجارب هذا الصيف التي شارك بها نحو 2000 مريض.
تبدو تجارب «بابينيوزوماب» العلاجية مزيدا من فشل مطلق. فهو مكون من أجسام مضادة تستهدف لويحات «أميلويد-بيتا»، على أمل أن يُحدث يقظة في الجهاز المناعي فيخلّص الدماغ منهم.
لكن تجربتين ضمتا 2400 مريضا مشاركا، فشلتا في إظهار فائدة لهذا الدواء مقارنة بالعلاج بالإيهام (بلاسيبو)، وهو أقراص (نشا وسكر) تعطى لإيهام المريض بأنه يتلقى علاجا. وربما كان السبب في هذا الفشل هو إعطاء دواء «بابينيوزوماب» بجرعات أقل من «سولينزوماب»، نظرا لارتفاع سُميّة «بابينيوزوماب». وأوضحت «جونسن أند جونسن» وشريكتها «فايزر»، ومقراهما نيويورك، أنهما سوف يخفضان بشدّة خطة تطوير «بابينيوزوماب».
يعتقد الباحثون باضطراد أن المشكلة لا تتصل كثيرا باستراتيجية استهداف «أميلويد-بيتا»، بقدر ما تتصل بتوقيت العلاج. في هذا السياق يقول رونالد بيترسِن، مدير مركز أبحاث ألزهايمر بـ«مايو كلينيك» في روشستر، بولاية مينوسوتا: «اللغز الرئيس في هذا الحقل: «هل عالجنا الناس في وقت متأخّر جدا؟». وكما لويحات الدهون في انسداد الشرايين التاجية، تتراكم لويحات «أميلويد»، وتنمو عبر سنوات العمر، بحسب قول بيترسِن. وهكذا، كما توصف مركّبات «ستاتين» لتخفيض كوليسترول المرضى عند منتصف العمر، فإن إعطاء الأدوية التي تعترض تكوين لويحات «أميلويد» في منتصف العمر، ربما أعطى وقاية من ألزهايمر، كما يقول بيترسِن.
لكن أحداً لا يعلم متى يجب إعطاء أدوية مضادة لـ«أميلويد» للوقاية من المرض، وربما يتوجّب على الباحثين تتبع آلاف الأشخاص عبر عشرات السنين، كي يحسموا أمر فعّالية أدوية الوقاية من ألزهايمر. وبحسب الدكتور منجي، «ليس ممكنا أخذ كل من يزيد عمره عن ثلاثين عاماً من الشارع، ووضعه ضمن دراسة عن الوقاية من ألزهايمر». على أية حال، من المقرّر البدء بثلاث دراسات في السنة المقبلة، للوقوف على قدرة مضادات الأميلويد على إحباط ظهور أعراض ألزهايمر المبكرة، ووقف التدهور الإدراكي للمرضى، ذوي الاستعداد الوراثي أو مستويات الأميلويد لديهم، والذين يشخصون بارتفاع مخاطر إصابتهم بالمرض.
ستختبر «مبادرة الوقاية من ألزهايمر» قدرات دواء اسمه «كرينيزوماب» crenezumab، طورته شركة «جينِتك»، ومقرّها بجنوب سان فرانسيسكو، ولاية كاليفورنيا، عبر دراسة عائلة كبيرة من كولومبيا تتميّز بامتلاك أفرادها طفرة نادرة تزيد استعدادهم للإصابة بألزهايمر في منتصف العمر. ستُركّز هذه الدراسة التي تبلغ كلفتها 100 مليون دولار، على أفراد من العائلة لا يعانون أعراض المرض، لمدّة تصل إلى خمس سنوات، للوقوف على قدرة الدواء على درء التدهور المُحتّم لقدراتهم الإدراكية. ستحاول التجربة أيضاً فرز مؤشّرات حيوية جديدة، كمستويات الأميلويد في صور مسح الدماغ، والسائل المحيط بالدماغ والحبل الشوكي، كمؤشرات لقياس فعّالية «كرينِزوماب» أو أدوية اخرى.
«ينبغي إطلاق مرحلة جديدة من أبحاث الوقاية من ألزهايمر كي ينفتح المجال أمام تقييم سريع لفعّالية الأدوية»، بحسب إريك رايمان، المدير التنفيذي لـ«معهد بانر لأبحاث ألزهايمر»، بفينكس، أريزونا، وهو القائد المشارك لفريق دراسة العائلة الكولومبية.
بالتعرّف على هذه المؤشّرات، تستطيع شركات الأدوية أن تقف بسرعة على مدى فعّالية دواء ما في الوقاية من ألزهايمر، ما يوفّر كثيرا من الوقت والمال، على حدّ قوله. وتتابع مؤسسات الأدوية، وضمنها «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية و«وكالة الدواء الأوروبية»، هذه الجهود عن كثب. نظريا، يمكن تقييم إجراءات إقرار أدوية الوقاية بالاستناد لتجارب سريرية تقيس تغير المؤشّرات الحيوية، أو بدائلها، بدلاً من اعتماد القياسات التقليدية لتحسّن الإدراك. في المقابل، يُرجح أن تضع هيئات الرقابة معايير عالية لتعريف ما يمكن أن يشكّل بديلاً موثوقاً ومُبرهناً عليه، على حدّ قول سيمرز.
حصلت دراسة رايمان على تمويل بنكي. في المقابل، تبحث تجربتان وشيكتان عن تمويل. يقود التجربة الأولى «دراسة تعاونية لمرض ألزهايمر»، وهو برنامج تُموّله الحكومة الأميركية، ويقود الثانية باحثون بكلية طب جامعة واشنطن بسانت لويس، ولاية ميزوري. ويأمل كثير من خبراء مرض ألزهايمر ألا يفزع المستثمرون من أنباء هذا الصيف القاتمة.
يقول رايمان: «تملّكنا هذا القلق لبعض الوقت»، ويضيف: «إذا كانت هذه التجارب سلبية النتائج، فسنرى كثيراً من المستثمرين وأصحاب المصالح الأساسيين، يتخلون عن علاجات مراقبة وتعطيل الأميلويد. نعتقد أن هذا كترك الطفل وشأنه مع ماء الاستحمام، والتخلي عن مرض ألزهايمر».