رؤية كونية

النـحل، والسيـاسات القائـمة على الأكاذيـب والأدِلَّة

تُحذِّر لين ديكس من المعلومات المُضلِّلة التي تُشكل جانبًا حتميًّا من الرأى العام، وتنصح بأنه ينبغي للعلماء التركيز دائمًا على إطْلاع صُنّاع القرار.

لين ديكس
  • Published online:

إن إنقاذ النحل هو قضية عصرية؛ حيث إنه يقع تحت وطأة المرض وخسارة موطنه الطبيعي. بيد أن مخاطر خبيثة أخرى قد باتت في الصدارة مؤخرًا. إن المخاوف داخل الأوساط العلمية وجماعات الحماية بشأن فئة من مبيدات الآفات الزراعية امتدت الآن إلى ساحة السياسات، حيث قامت لجنة خبراء من الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الأخير من فبراير 2013 بالتصويت على اقتراح حظر، مدته عامان، لبعض استخدامات كيماويات «الكلوثيانيدين» Clothianidin، و«الثياميثوكسام» Thiamethoxam، و«الإيميداكلوبريد» Imidacloprid. وتلك الكيماويات من نوع «النيونيكوتينيتاد» neonicotinoids هي مبيدات نظامية، تحملها النباتات داخل أنسجتها. وعلى الرغم من أنها تحمي الأوراق والجذوع من هجمات حشرات المن والآفات الأخرى، إلا أنها تنتقص بشكل ملحوظ من كفاءته في اقتناص المؤن وتربية الصغار، بما لها من تأثيرات سُمِّيَّة دقيقة على النحل.

وأيًّا كان قرار الاتحاد الأوروبي، فإن هذا التصويت لن يضع نهايةً لتلك القصة. بيد أن هذا الحظر المقترح سيمنح العلماء وصناع السياسات بعض الوقت، من أجل فهم المزيد عن الكيفية التي تؤثر بها كيماويات «النيونيكوتينيتاد» الحديثة على جموع النحل. وبغض النظر عمّا يزعمه كلا طرفيّ الجدل، إلا أن الصلة التي تربط تدهور النحل بتأثير تلك الكيماويات هى أبعد ما تكون عن الوضوح. فلقد قدَّمْتُ إلى تحقيق برلماني بالمملكة المتحدة دليلاً متعلقًا بهذه القضية في أواخر العام الماضي، ولديَّ من الخبرات في هذا الشأن ما يفتح نافذةً مفيدة لفهم الكيفية التى يُطْلِع بها العِلْمُ الرأيَ العام وصناعة السياسات، وكيفية فشله أيضًا.

وممّا لا شك فيه أن الحظر المقترَح على استخدام كيماويات «النيونيكوتينيتاد» على المحاصيل الغنية بالرحيق وحبوب اللقاح، مثل اللفت ذي البذور الزيتية، سيحدّ من المخاطر المحتمَلة على النحل. إنها تبدو خطوة حاسمة لعكس مسار، أو وقف التدهور الملحوظ للنحل والكائنات الأخرى التي تتغذى على الزهور. ولم يكن هذا كافيًا من وجهة نظر نشطاء البيئة، الذين حددوا المشكلة باعتبارها تتمثل فى البقاء الأمثل لأعداد غير محددة من فصائل النحل. فقد وقّع مليونان ونصف مليون شخص على عريضة على شبكة الإنترنت، يخبرون فيها صُنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي بالآتي: «إذا اتخذتم التدابير الوقائية على وجه السرعة الآن؛ سنتمكن من حماية النحل من الانقراض».

إن الجَزْم بأنّ حظر كيماويات «النيونيكوتينيتاد» في أوروبا سوف ينقذ النحل من الانقراض مُنَافٍ للعقل.. فهناك فصائل من النحل حول العالم، يهددها خطر حقيقى بالانقراض، ومنها ـ على سبيل المثال ـ النحلة الطنانة المُرَقَّشَة ـ المعروفة عمومًا بالصَدِئة ـ التي كانت بأعداد كبيرة يومًا ما في الولايات المتحدة الأمريكية؛ واختفت من 87% من نطاق وجودها التاريخي في وقت مبكر من التسعينات. إنها الأمراض، وليست مبيدات الآفات، التى يُشتبه في كونها الدافع لهذا التراجع. وبالرغم من أن هناك هبوطًا كبيرًا في أعداد مستعمرات نحل العسل Apis mellifera المُربَّى في بعض البلدان، تبقي تلك النحلة شائعة وواسعة الانتشار، وليست في خطر وشيكٍ يؤدي إلى انقراضها.

إن المبالغة النّابعة من حُسْن النِّيَّة أمرٌ شائع. فلقد حَرَّفَتْ جريدة «الجارديان» ـ وهي جريدة بريطانية مدافِعَة عن البيئة ـ الدليلَ الذي قدمته للتحقيق البرلماني بشأن حشرات العُث والخنافس؛ زاعمةً أن ثلاثة أرباع كل فصائل الحشرات المُلَقِّحَة في المملكة المتحدة ـ بما فيها النحل ـ في تراجعٍ حاد.

هناك مزاعم مُدهشة، تُعتبر في صالح كيماويات «النيونيكوتينيتاد» أيضًا. فمن بين العناوين الرئيسة التي وردت بشكل واسع في الصحافة الزراعية بالمملكة المتحدة؛ أنه بدون استخدامها؛ سوف تتراجع إنتاجية القمح بالمملكة المتحدة بنسبة تصل إلى %20. أما هذا.. فتأويل مخادِع لتقرير مدعوم من جهة صناعية، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يقترح حظر استخدامها مع القمح، لأن القمح ليس محصولًا جاذِبًا للنحل.

وباعتباري عالِمَة منخرِطَة في هذا الجدل، فإنني أجد المعلومات المُضلِّلة مُحبِطةً بشدة، ولكنني أرى أيضًا أن الأكاذيب والمبالَغة من كلا الطرفين لا تزال تُمثل عنصرًا ضروريًّا في العملية الديمقراطية؛ للحث على تغييرٍ سريع للسياسات العامة. إنه لمن المستحيل ـ ببساطة ـ أنْ تثير اهتمام ملايين من أفراد الشعب أو الصحافة الزراعية بتفسيرات مُبَرَّرَة بعناية. كما أنّ السياسيين يستجيبون إلى الرأى العام بسهولة أكثر ممّا يستجيبون إلى العلم.

هناك سابقة لهذا الأمر.. حيث إن اتفاقية مونتريال، التي أُبرِمَت في عام 1987، والتي حظرت استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون لحماية طبقة الأوزون؛ غالبًا ما تُسَاق كمثال واضح على الاستجابة السريعة من السياسات، كَرَدِّ فعلٍ تجاه ظهور نتائج علميةٍ، بل والموافقة عليها في ظل مواجهة مع مقالات جامحة عن ملايين إضافية من حالات الإصابة بمرض السرطان، وتحذيرات الصناعة من أن ذلك سيكلف اقتصاد الولايات المتحدة مليارات الدولارات.

هناك خطرٌ بالطبع في أنْ تتم تغييرات للسياسات بشكل سريع ومتجاوب؛ ليتبيّن أنها ليست الأكثر حكمةً. ولقد شهدنا حدوث ذلك في السياسة الأوروبية بشأن الوقود الحيوي، التي حدَّدت هدفًا لجَعْل وقود وسائل النقل ـ في 10% من محتواه ـ متجددًا بحلول عام 2020، برغم وجود أدلة في ذلك الوقت تثبت أن هذه ليست أفضل طريقة لتقليل أثر انبعاث غازات الدفيئة باستخدام الطاقة المتجددة.

إن هذا الخطر يعني أن إيصال العلم نفسه ـ بشكل مباشر ـ إلى الأشخاص الملائمين من صُناع القرار ما زال في غاية الأهمية. وينبغي للعلماء ألا توقفهم بلاغة الخِطاب، بل يجب أن تحفِّزهم، ولا بد لنا أنْ ننخرط في خضم الجدال. ومن المهم أن نقترب ـ قدر الإمكان ـ من صُنّاع القرار؛ كي نمدّهم بمعلومات واضحة، موثوقة المرجع، و(بصوتٍ مستقل).

إنك لن تتمكن من وَقْف الأكاذيب والمبالَغة، لكنْ لا تقلق بشأنهما.. فحينما رأيتُ المزاعمَ المبالِغة بتراجُع أعداد الحشرات المُلقِّحة، والمنسوبة إليَّ في «الجارديان»؛ لم أَسْعَ لتصحيحها، لأن المعلومات الصحيحة بمراجعها سوف تُدْرَج في تقرير اللجنة البرلمانية القادم. وحسبما ذُكر بالصحافة، فإن هذا التقرير بالتأكيد سوف يقرأه المسؤولون، الذين يقدِّمون ـ بدورهم ـ المشورةَ إلى السياسيين، وهم ـ على الأقل بالنسبة إلى المملكة المتحدة ـ الذين يتخذون القرارات النهائية. ونظرًا إلى تلك التقارير.. وبالإضافة إلى تقييم المخاطر، الصادر مؤخرًا عن هيئة الأمن الغذائي الأوروبية، نستطيع الآن أن نتيقَّن بوضوح من أنّ القرار المُتخَذ بشأن حظر استخدام أشباه النيكوتين الحديثة في أوروبا، أو عدمه؛ لن يكون مبنيًّا على أساس تجنُّب خسارة 20% من إنتاجية المحصول، أو إنقاذ نحل العالم كله من الانقراض.